للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وذلك لأنّ المهديّ اشتغل باللهو واللعب وسماع الأغاني، وفوّض الأمور إلى يعقوب بن داود. وكان أصحاب المهديّ يشربون عنده النبيذ، وقيل: ما كان هو يشرب معه، فنهاه يعقوب بن داود عن ذلك ووعظه. وقال أبعد الصّلوات في المسجد تفعل هذا؟ فلم يلتفت إليه. وفي ذلك يقول الشاعر للمهديّ:

فدع عنك يعقوب بن داود جانبا ... وأقبل على صهباء [١] طيبة النّشر [٢]

(طويل) ثمّ إن السّعاة ما زالوا يسعون بيعقوب بن داود إلى المهديّ حتى نكبه، وجعله في «المطبق» وهو حبس التّخليد [٣] . فلم يزل على ذلك مدّة أيّام المهديّ حتّى أخرجه الرّشيد.

شرح السّبب في القبض عليه وكيفيّة ما جرى

حدّث يعقوب بن داود قال استدعاني المهديّ يوما فدخلت عليه، وهو في مجلس في وسط بستان، ورءوس الشجر مع أرض ذلك المجلس، وقد امتلأت رءوس الشّجر من الأزهار المتنوعة، وقد فرش المجلس بفرش مورّدة، وبين يديه جارية حسناء لم أر أحسن وجها منها، فقال لي: يعقوب. كيف ترى هذا المجلس قلت: في غاية الحسن، فهنّأ الله أمير المؤمنين قال: فهو لك وجميع ما فيه ومائة ألف درهم وهذه الجارية ليتمّ سرورك. فدعوت له قال: ولي إليك حاجة أريد أن تضمن لي قضاءها قلت: يا أمير المؤمنين، أنا عبدك الطائع لجميع ما تأمر به، فدفع إليّ رجلا علويّا وقال: أحبّ أن تكفيني أمره، فإنّي خائف أن يخرج عليّ.

قال: فقلت: السّمع والطاعة قال: تحلف لي؟ فحلفت له باللَّه أن أفعل ما يريد.


[١] الصهباء: من ألقاب الخمرة، لونها أصهب مائل إلى الحمرة.
[٢] النّشر: الرائحة المنتشرة.
[٣] حبس التخليد: السجن المؤبّد، مدى الحياة.

<<  <   >  >>