للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خاطره، واعتذر ذلك العالم عن هذا القول بأن هيبة السّلطان كانت عظيمة وسطوته مرهوبة، فما تجاسرت أن أقول بين يديه غير الحقّ. فهذا كان اعتقاد النّاس في بني العبّاس. وما قويت دولة من الدول على إزالة مملكتهم ومحو أثرهم سوى هذه الدولة القاهرة. نشر الله إحسانها وأعلى شأنها.

فإن السلطان هولاكو لما فتح بغداد وقتل الخليفة، محا أثر بني العبّاس كلّ المحو، وغيّر جميع قواعدهم. حتّى إن الّذي كان يتلفّظ باسم بني العبّاس كان على خطر من ذلك.

[وها هنا موضع حكاية]

حدّثني نصر المليسيّ الحبشيّ أحد خدّام السّلطان- مدّ الله معدلته [١] ، وأعلى في الدارين درجته- وكان قبل ذلك للخليفة المستعصم قال: لما ملكت بغداد أخرجوني وأنا صغير في جملة الخدم، فلازمنا خدمة الدّركاه [٢] أيّاما. فلمّا بعدنا من بغداد أحضرنا السّلطان هولاكو يوما بين يديه، وكان علينا زيّ الخلافة، فقال:

أنتم كنتم قبل هذا للخليفة، وأنتم اليوم لي. فينبغي أن تخدموني خدمة جيدة بنصيحة وتزيلوا من قلوبكم اسم الخليفة، فذاك شيء كان ومضى. وإن آثرتم تغيير هذا الزّي، والدّخول في زيّنا كان أصلح. قال: قلنا: السّمع والطاعة. ثم غيّرنا زينا ودخلنا زيّهم.

شرح ابتداء الدولة العباسيّة

روي أنّ الرسول- صلوات الله عليه- كان يجري على لفظه الشريف ما معناه البشارة بدولة هاشميّة. فزعم ناس أنه قال: تكون لرجل من ولدي. وزعم ناس أنه- عليه الصلاة والسّلام- قال لعمّه العبّاس- رضي الله عنه وسلّم-:

إنّها تكون في ولدك، وأنه حين أتاه بابنه عبد الله أذّن في أذنه وتفل في فيه، وقال


[١] معدلته: سلطان عدله.
[٢] الدّركاه: القصر أو السّدّة السلطانية باللغة الفارسية.

<<  <   >  >>