للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تولاها وليس له عدوّ ... وفارقها وليس له صديق

(وافر) ثم اعتزل وتزهّد ولبس ثياب القطن وتوجّه إلى الحجّ، وأقام بمدينة الرّسول- صلوات الله عليه وسلامه- فكان يكنس المسجد النبويّ ويفرش الحصر ويشعل المصابيح وعليه ثوب من غليظ الخام، وبدأ يحفظ القرآن وختمه هناك. وله شعر لا بأس به فمنه قوله:

إنّ من شتّت الجميع من الشّمل ... قدير بأن يجمع أهلا

لست مستيئسا وإن طال هجر ... ربّ هجر يكون عقباه وصلا

وإذا أعقب الوصال فراق ... كان ذاك الوصال في القلب أحلى

(خفيف) ومات- رضي الله عنه- في سنة ثلاث عشرة وخمسمائة.

انقضت أيّام المقتدي بأمر الله ووزرائه.

ثمّ ملك بعده ابنه المستظهر باللَّه أبو العبّاس أحمد

بويع له بالخلافة في سنة سبع وثمانين وأربعمائة.

كان المستظهر كريما وصولا، حسن الأخلاق كبير الهمّة سهل العريكة مهذّب الخلال، محبّا للخير مبغضا للظلم. في أيّامه تفاقم حال الباطنيّة [١] واستولوا على المعاقل والحصون بخراسان. وكان أصل دعوتهم بخراسان الحسن بن صباح [٢] وهو رجل أصله من مرو، وسافر إلى مصر وأخذ من دعاة آل أبي طالب بها المذاهب، وكان رجلا ذا دهاء وصاحب حيل، ثمّ إنّه رجع من مصر إلى خراسان وصار داعيا لآل أبي طالب وتوصّل بأنواع التوصّلات حتّى ملك قلعة من بلاد الدّيلم


[١] الباطنيّة: فرقة من القرامطة تعتقد للقرآن معنى ظاهرا ومعنى باطنا، وكان على رأسها إلى حين الحسن بن الصباح.
[٢] الحسن بن الصّباح: داع فاطميّ من أنصار نزار في خلافه مع أخيه المستعلي. فرّ من مصر إلى قلعة ألموت بعد مقتل نزار، وأسس فرقة الإسماعيليّة ودولتها في المشرق. قضى على دولته هولاكو/ ٦٥٤/ هـ. مات الحسن عام/ ٥١٨/ هـ.

<<  <   >  >>