للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الدولة الأولى: دولة الأربعة وهم المعروفون بالخلفاء الراشدين]

قال محمد بن عليّ بن طباطبا مؤلّف هذا الكتاب المعروف بالفخري في الآداب السلطانيّة والدول الإسلاميّة: أما الدولة الأولى، وهي دولة الأربعة فإن ابتداءها كان منذ قبض رسول الله- صلوات الله عليه وسلامه- وبويع أبو بكر بن قحافة- رضي الله عنه- وذلك في سنة اثنتي عشرة من الهجرة وانتهاؤها حين قتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب- عليه السلام- وذلك في سنة أربعين من الهجرة واعلم أنها دولة لم تكن من طرز دول الدنيا، وهي بالأمور النبويّة والأحوال الأخروية أشبه. والحق في هذا أن زيّها قد كان زيّ الأنبياء وهديها هدي الأولياء.

وفتوحها فتوح الملوك الكبار. فأما زيّها: فهو الخشونة في العيش، والتقلل في المطعم والملبس، كان أحدهم يمشي في الأسواق راجلا وعليه القميص الخلق المرقوع إلى نصف ساقه، وفي رجله تاسومة [١] وفي يده درّة [٢] فمن وجب عليه حد استوفاه منه. وكان طعامهم من أدنى أطعمة فقرائهم، ضرب أمير المؤمنين عليه السلام، المثل بالعسل والخبز النقي فقال في بعض كلامه. ولو شئت لاهتديت إلى مصفى هذا العسل بلباب هذا البرّ. واعلم أنهم لم يتقللوا في أطعمتهم وملبوسهم فقرا ولا عجزا عن أفضل لباس وأشهى مطعم، ولكنّهم كانوا يفعلون ذلك مواساة لفقراء رعيّتهم، وكسرا للنفس عن شهواتها، ورياضة لها لتعتاد أفضل حالاتها.

وإلا فكل واحد منهم كان صاحب ثروة ضخمة، ونخل وحدائق وغير ذلك من الأسباب ولكنّ أكثر خرجهم كان في وجوه البرّ والقرب كان لأمير المؤمنين علي ارتفاع طائل من أملاكه يخرجه جميعه على الفقراء والضعفاء ويقتنع هو وعياله بالثوب الغليظ من الكرباس [٣] ، وبالقرص من خبز الشعير. وأما فتوحها وحروبها فإن خيلها بلغت إفريقية وأقصى.


[١] التاسومة: حذوة القدم الخفيفة.
[٢] الدرّة: السّوط، يضرب به المؤدّب.
[٣] الكرباس: القماش الخشن.

<<  <   >  >>