قال الصّوليّ [١] : من أعجب ما شاهدت من تقلّب الدّنيا وتصاريف الأمور أنّني رأيت العبّاس بن الحسن في أول الأربعاء قبل أن يموت الوزير القاسم بن عبيد الله وقد حضر إلى داره وقبّل يد ولده، ثمّ في آخر اليوم المذكور مات القاسم وخلع المكتفي على العباس بن الحسن واستوزره، فجاء ولد الوزير القاسم بن عبيد فقبّل يده.
كان العبّاس بن الحسن ذا دهاء ومكر وأدب وافر. وكان ضعيفا في الحساب ولم تكن سيرته محمودة. وكان عاكفا على لذّاته والأمور مهملة، وكان يقول لنوّابه بالأعمال: أنا أوقّع إليكم وأنتم افعلوا ما فيه المصلحة. ولم تزل الأمور تضطرب في أيّامه حتّى وثب عليه الحصين بن حمدان وجماعة من الجند فقتلوه، وذلك في أيّام المقتدر. انقضت أيام المكتفي ووزرائه.
ثمّ ملك بعده المقتدر باللَّه
هو أبو الفضل جعفر بن المعتضد، بويع له بالخلافة في سنة خمس وتسعين ومائتين وعمره ثلاث عشرة سنة.
وكان المقتدر سمحا كثير الإنفاق، ردّ رسوم الخلافة من التجمّل وسعة الإدارات والمعاش، وكثرة الخلع والصّلات. كان في داره أحد عشر ألف خادم من الرّوم والسّودان، وكانت خزانة الجوهر في أيّامه مترعة بالجواهر النفيسة، فمن جملتها: الفصّ الياقوت الّذي اشتراه الرّشيد بثلاثمائة ألف دينار، والدرّة اليتيمة التي كان وزنها ثلاثة مثاقيل، إلى غير ذلك من الجواهر النفيسة، ففرّقه جميعه وأتلفه في أيسر مدّة وفي أيّامه قتل الحلاج.
[١] الصّولي: أبو بكر الصوليّ له كتاب «الأوراق» في أخبار آل عباس وأشعارهم، وقد استعان بأقواله ابن طباطبا مرارا وسبقت ترجمته.