للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الرسول: ألا تجيبه؟ قال: قد رأيت الجواب. ثم مضى الرسول إلى عبد الله المحض ودفع إليه الكتاب فقرأه وقبله وركب في الحال إلى الصادق- عليه السّلام- وقال: هذا كتاب أبي سلمة يدعوني فيه إلى الخلافة، قد وصل على يد بعض شيعتنا من أهل خراسان فقال له الصادق- عليه السّلام-: ومتى صار أهل خراسان شيعتك؟ أنت وجّهت إليهم أبا مسلم؟ هل تعرف أحدا منهم باسمه أو بصوته؟ فكيف يكونون شيعتك وأنت لا تعرفهم وهم لا يعرفونك؟ فقال عبد الله:

كان هذا الكلام منك لشيء، فقال الصادق قد علم الله أني أوجب النّصح على نفسي لكلّ مسلم فكيف أدّخره عنك؟ فلا تمنّ نفسك الأباطيل، فإن هذه الدولة ستتمّ لهؤلاء وقد جاءني مثل الكتاب الّذي جاءك. فانصرف عبد الله غير راض. وأما عمر بن زين العابدين، فإنه ردّ الكتاب وقال: أنا لا أعرف صاحبه، فأجيبه، ثم غلب أبو سلمة على رأيه وعملت الدعوة عملها وبويع السفّاح ونمّ [١] الخبر إليه فحقدها على أبي سلمة وقتله.

[ذكر شيء من سيرته ومقتله]

كان أبو سلمة سمحا كريما مطعاما كثيرا، مشغوفا بالتنوّق [٢] في السّلاح والدوابّ، فصيحا عالما بالأخبار والأشعار والسّير والجدل والتفسير، حاضر الحجّة ذا يسار ومروءة ظاهرة فلما بويع السفّاح استوزره وفوّض الأمور إليه وسلّم إليه الدّواوين ولقّب وزير آل محمّد، وفي النفس أشياء. وخاف السفّاح إن هو قتل وزيره أبا سلمة أن يستشعر أبو مسلم ويتنمّر، فتلطف لذلك، وكتب إلى أبي مسلم كتابا يعلمه فيه بما عزم عليه أبو سلمة من نقل الدولة عنهم، ويقول له: إنّني قد وهبت جرمه لك- وباطن الكتاب يقتضي تصويب الرأي في قتل أبي سلمة- وأرسل الكتاب مع أخيه المنصور. فلمّا قرأ أبو مسلم الكتاب فطن لغرض السفّاح.

فأرسل قوما من أهل خراسان قتلوا أبا سلمة، فقال الشاعر:


[١] نمّ: ظهر.
[٢] التنوّق: إجادة الاختيار، التأنّق.

<<  <   >  >>