للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

شرح كيفية وقعة الحرّة

ثم ثنّى بقتال أهل مدينة رسول الله صلوات الله عليه وسلامه، وهي وقعة الحرّة (بالحاء المفتوحة غير معجمة) : ومبدأ الأمر فيها: أنّ أهل المدينة كرهوا خلافة يزيد وخلعوه، وحصروا من كان بها من بني أمية وأخافوهم، فأرسل بنو أميّة رسولا إلى يزيد يعلمه حالهم. فلمّا وصل الرسول إلى يزيد وأخبره بذلك تمثّل

لقد بدّلوا الحلم الّذي في سجيّتي ... فبدّلت قومي غلظة بليان

(طويل) ثمّ ندب إليها عمر بن سعيد، فأحجم عنها، وأرسل يقول له: إنّي قد ضبطت لك الأمور والبلاد، وأمّا الآن إذا صارت دماء قريش تهراق بالصّعيد، فلا أحبّ أن أتولّى ذلك. فندب عبيد الله بن زياد لذلك، فاعتذر وقال: والله لا جمعتهما للفاسق: أقتل ابن رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- وأغزو مدينته والكعبة فندب إليها مسلم بن عقبة المرّيّ، وكان شيخا كبيرا مريضا، إلا أنّه كان أحد جبابرة العرب وشياطينهم، وقيل: إنّ أباه [١] قال له: إن خالفك أهل المدينة فارمهم بمسلم بن عقبة. فتوجّه إليها مسلم بن عقبة وهو مريض، فحاصرها من جهة الحرّة (وهو موضع بظاهر المدينة) فنصب لمسلم بن عقبة كرسيّ بين الصّفّين، وجلس يحرّض أصحابه على القتال حتّى فتحها. وقتل في تلك الوقعة جماعة من أعيانها، فيقال: إنّ أبا سعيد الخدريّ [٢]- رضي الله عنه- صاحب رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- خاف، فأخذ سيفه وخرج إلى كهف هناك ليدخل إليه ويعتصم به فتبعه بعض أهل الشأم، فخافه أبو سعيد وسل سيفه عليه ليروّعه، فسلّ الآخر سيفه. فلما وصل إلى أبي سعيد قال له: لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ ٥: ٢٨ [٣] فقال له الشأمي: من أنت؟ قال: أنا أبو سعيد. قال: صاحب رسول الله؟ قال: نعم، فمضى وتركه ثم أباح مسلم بن عقبة


[١] قصد أبا يزيد، وهو معاوية بن أبي سفيان.
[٢] أبو سعيد الخدريّ: ينتهي نسبه إلى بني خدرة من الخزرج صحابي جليل وراو للحديث.
[٣] سورة المائدة، الآية/ ٢٨/.

<<  <   >  >>