للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حدّث عنه أنّه قال: ما رأيت أحدا من أرباب الحوائج إلا كان اهتمامي بالإحسان إليه أشدّ من اهتمامه قال: وكان قبل الوزارة يجعل لجلسائه وندمائه مخادّ [١] يتكئون عليها، فلما ولي الوزارة لم يحضر الفراشون للندماء والجلساء تلك المخادّ، فأنكر ذلك عليهم وأمر بإحضار المخادّ، وقال: لا يراني الله يرتفع شأني بحطّ منزلة أصحابي. ولمّا جرت فتنة ابن المعتزّ واستظهر المقتدر واستوزر أبا الحسن بن الفرات أحضرت إلى ابن الفرات [٢] رقاع من جماعة أرباب الدولة تنطق بميلهم إلى ابن المعتزّ وانحرافهم عن المقتدر، فأشار عليه بعض الحاضرين بأن يفتحها ويطالعها، ليعرف بها العدوّ من الصديق، فأمر ابن الفرات بإحضار الكانون وفيه نار، فلما أحضر جعل تلك الرقاع فيه بمحضر من النّاس، ولم يقف على شيء منها، وقال للحاضرين: هذه رقاع أرباب الدّولة، فلو وقفنا عليها تغيرت نياتنا لهم ونياتهم لنا فإن عاقبناهم أهلكنا رجال الدولة، وكان في ذلك أتمّ الوهن على المملكة، وإن تركناهم كنا قد تركناهم ونياتهم متغيّرة، وكذلك نياتنا فلا ننتفع.

وما زال ابن الفرات ينتقل في الوزارة إلى المرّة الثالثة فقبض عليه وقتل وذلك في سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة.

وزارة الخاقانيّ

هو أبو عليّ محمّد بن عبيد الله بن يحيى خاقان لمّا قبض المقتدر على ابن الفرات في المرّة الأولى أحضره- وكان خائفا من ابن الفرات- فطيّب قلبه واستوزره وخلع عليه خلع الوزارة.

كان الخاقانيّ سيّئ السيرة والتّدبير، كثير التّولية والعزل. قيل: إنّه ولّى في يوم واحد تسعة عشر ناظرا للكوفة، وأخذ من كلّ واحد رشوة فانحدر واحد واحد حتّى اجتمعوا جميعهم في بعض الطريق، فقالوا كيف نصنع؟ فقال أحدهم:

إن أردتم النّصفة [٣] فينبغي أن ينحدر إلى الكوفة آخرنا عهدا بالوزير فهو الّذي


[١] مخادّ: جمع مخدّة، وهي الحشيّة المعروفة للاتّكاء.
[٢] رقاع: جمع رقعة، وهي الورقة المكتوبة أو شبهها.
[٣] النّصفة: العدل والإنصاف.

<<  <   >  >>