للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثمّ ملك بعده الوليد بن يزيد بن عبد الملك

كان من فتيان بني أميّة وظرفائهم، وشجعانهم وأجوادهم وأشدائهم، منهمكا في اللهو والشرب وسماع الغناء، وكان شاعرا محسنا، له أشعار حسنة في العتاب والغزل ووصف الخمر. فمن جيّد شعره ما كتبه إلى هشام بن عبد الملك وقد عزم على خلفه- وكان هشام لمّا رأى استهتار الوليد بالمعاصي وعكوفه على اللذّات، طمع في الخلافة لابنه، وأراده على أن يخلع نفسه- وتناوله بلسانه وتهدّده- فكتب إليه الوليد بن يزيد:

كفرت يدا [١] من منعم لو شكرتها ... جزاك بها الرحمن ذو الفضل والمنّ

رأيتك تبني جاهدا في قطيعتي ... ولو كنت ذا حزم لهدّمت ما تبني

أراك على الباقين تجني ضغينة ... فيا ويحهم إن مت من شرّ ما تجني

كأنّي بهم يوما وأكثر قولهم: ... ألا ليت أنّا! حين «يا ليت» لا يغني

(طويل) وقد سرق الناس معانيه وأودعوها أشعارهم. فممّن سرق معانيه أبو نواس أخذ معانيه في وصفه الخمر.

وممّا يحكى عن الوليد بن يزيد: أنّه استفتح فألا في المصحف فخرج وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ١٤: ١٥ فألقاه ورماه بسهام وقال:

تهدّدني بجبّار عنيد ... نعم، أنا ذاك جبّار عنيد

إذا ما جئت ربّك يوم بعث ... فقل: يا ربّ خرقني الوليد

(وافر) فلم يلبث بعد هذا إلا يسيرا [٢] حتى قتل. وكان السّبب في قتله: أنّه كان قبل الخلافة على ما وصفنا من اللهو والشرب، وانتهاك حرمات الله (عزّ وجلّ) فلمّا أفضت إليه الخلافة لم يزد إلا انهماكا في اللذات، واستهتارا بالمعاصي، وضمّ


[١] اليد: هنا، الإنعام والمعروف.
[٢] يسيرا: أمدا قليلا، مدّة قصيرة.

<<  <   >  >>