للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وزارة السيّد نصير الدين ناصر بن مهديّ العلويّ الرازيّ للناصر

هو مازندرانيّ [١] المولد والأصل، رازيّ [٢] المنشأ، بغداديّ التدير والوفاة كان من كفاة الرّجال وفضلائهم وأعيانهم وذوي الميزة منهم، اشتغل بالآداب في صباه فحصّل منها طرفا صالحا، ثم تبصّر بأمور الدواوين ففاق فيها.

كان في ابتداء أمره ينوب عن النّقيب عزّ الدين المرتضى القمّي نقيب بلاد العجم كلّها، ومنه استفاد قوانين الرئاسة، وكان عزّ الدين النقيب من أماجد العالم وعظماء السادات، فلمّا قتل النقيب عزّ الدين- قتله علاء الدين خوارزم شاه- هرب ولده النقيب شرف الدين محمّد وقصد مدينة السّلام مستجيرا بالخليفة الناصر، وصحبته نائبة نصير الدين بن المهديّ، وكان من عقلاء الرجال، فاختبره الناصر فرآه عاقلا لبيبا سديدا فصار يستشير به سرّا فيما يتعلّق بملوك الأطراف، فوجد عنده خبرة تامّة بأحوال سلاطين العجم، ومعرفة بأمورهم وقواعدهم وأخلاق كلّ واحد منهم، فكان الناصر كلما استشار به في شيء من ذلك يجده مصيبا عين الصواب فاستخلصه لنفسه ورتّبه أولا نقيب الطالبيين، ثمّ فوّض إليه أمور الوزارة فمكث فيها مدّة تجري أموره على أتمّ سداد وكان كريما وصولا عالي الهمّة شريف النّفس، حدّث عنه أنه كان يوما جالسا في دست الوزارة وفي يده قطعة عود كبيرة فرأى الوزير بعض الصّدور الحاضرين وهو يلحّ بالنظر إليها، فقال له: تعجبك هذه؟ فدعا له، فوهبه إيّاها، وقام الرجل ليخرج فلمّا بعد عن مجلس الوزير استدعاه بسرعة، وقال له: تريد أن تفضحنا وتصدّق المثل فينا (بخره عريان) ثمّ أمر فخلع عليه، ودفع إليه تخت ثياب [٣] ، وقال له: تبخّر في هذه الثّياب ومدحه الأبهريّ الشاعر الأعجمي بقصيدة مشهورة في العجم من جملة مدحها:


[١] مازندرانيّ: منسوب إلى مازندران من بلاد فارس.
[٢] رازيّ: منسوب إلى الرّيّ جنوب طبرستان وبحر قزوين وهي مدينة أو إقليم بهذا الاسم.
[٣] تخت ثياب: خزانة ملابس.

<<  <   >  >>