للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

محتاج إليه، محمّد بن الزيات، فأدخله، فوقف بين يديه خائفا، فقال للخادم:

أحضر إليّ المكتوب الفلانيّ، فأحضر له الكتاب الّذي كان كتب وحلف فيه ليقتلنّ ابن الزيات فدفعه إلى ابن الزيّات وقال: اقرأه، فلما قرأه، قال: يا أمير المؤمني أنا عبد إن عاقبته فأنت حاكم فيه، وإن كفّرت عن يمينك واستبقيته كان أشبه بك. فقال الواثق: والله ما أبقيتك إلّا خوفا من خلوّ الدولة من مثلك! وسأكفّر عن يميني، فإنّي أجد عن المال عوضا ولا أجد عن مثلك عوضا، ثم كفّر عن يمينه واستوزره وفوّض الأمور إليه، وكان ابن الزيّات شاعرا مجيدا فمن شعره يرثي المعتصم ويمدح الواثق:

قد قلت إذ غيّبوك واصطفقت ... عليك أيد بالماء والطّين

اذهب فنعم المعين أنت على ... الدّنيا ونعم المعين للدين

لا يجبر الله أمّة فقدت ... مثلك إلّا بمثل هارون [١]

(منسرح) ثم إنّ محمّد بن عبد الملك الزيّات مكث في وزارة الواثق مدّة خلافته، لم يستوزر غيره حتّى مات الواثق، وولي أخوه المتوكّل فقبض عليه وقتله.

قيل: إنّ ابن الزيّات عمل تنورا من حديد ومساميره إلى داخل، ليعذّب به من يريد عذابه، فكان هو أوّل من جعل فيه، وقيل له: ذق ما كنت تريد أن تذيق الناس!.

انقضت أيّام المعتصم ووزرائه.

ثمّ ملك بعده هارون الواثق بويع سنة سبع وعشرين ومائتين

كان الواثق من أفاضل خلفائهم، وكان فاضلا لبيبا، فطنا فصيحا شاعرا وكان يتشبّه بالمأمون في حركاته وسكناته، ولما ولي الخلافة أحسن إلى بني عمّه الطالبيّين [٢] وبرّهم ولم يقع في أيّامه من الفتوح الكبار والحوادث المشهورة ما يؤثر


[١] هارون: هو الخليفة الواثق، بويع بعد وفاة المعتصم/ ٢٢٧/ هـ.
[٢] الطالبيّين: عنى بهم آل عليّ بن أبي طالب.

<<  <   >  >>