عند خليفتنا الأمين بفكّه وتخليصه، وإجلاسه على السّرير فاقتتل الفريقان فغلب أصحاب الأمين فدخلوا عليه محبسه وأخرجوه وأجلسوه على سرير الخلافة، وقاتلوا حسينا وغلبوا عليه وأحضروه أسيرا إلى الأمين، فعاتبه فاعتذر إليه وعفا عنه، ثم خلع عليه وولاه العسكر وأمره بمحاربة المأمون، فخرج وهرب فأرسل الأمين الجند خلفه فلحقوا به وقتلوه وحملوا رأسه إلى الأمين، فما زال الشر ينمي والاختلاف يزيد، حتى أرسل المأمون هرثمة وطاهر بن الحسين- وهما من أعيان أمرائه- بعسكر كثيف، لمحاصرة بغداد ومحاربة الأمين، فحاصرا بغداد مدّة، وقاتلا بعساكرهما قتالا شديدا، وجرت بين القبيلين وقائع كثيرة كان في آخرها الغلبة لعسكر المأمون وقتل الأمين وحمل رأسه إلى أخيه المأمون بخراسان، وذلك في سنة ثمان وتسعين ومائة.
وأمّا حال الوزارة في أيّامه، فإنّه لم يستوزر غير الفضل بن الرّبيع وزير أبيه وقد سبق شرح طرف من سيرته عند ذكر وزارته للرّشيد.
انقضت أيّام الأمين.
ثمّ ملك بعده أخوه عبد الله المأمون
بويع له البيعة العامة ببغداد في سنة ثمان وتسعين ومائة وكان المأمون من أفضل خلفائهم وعلمائهم، وحكمائهم وحلمائهم وكان فطنا شديدا كريما.
حدّث عنه، أنّه لما كان بدمشق أضاق إضاقة شديدة وقلّ المال عنده فشكا ذلك إلى أخيه المعتصم- وكان له بيده أعمال- فقال المعتصم: يا أمير المؤمنين، كأنك بالمال قد وافاك بعد أسبوع، فوصل في تلك الأيام من الأعمال التي كان المعتصم يتولاها ثلاثون ألف ألف ألف درهم (الألف مكررة ثلاث مرات) فقال ليحيى بن أكثم: اخرج بنا لننظر إلى هذا المال، فخرج وخرج الناس وكان قد زيّن الحمل وزخرف فنظر المأمون منه إلى شيء حسن كثير، فاستعظم الناس ذلك واستبشروا به، فقال المأمون: إنّ انصرافنا إلى منازلنا بهذا المال وانصراف الناس خائبين لؤم فأمر كاتبه أن يوقّع لهذا بألف ألف، ولذاك بمثلها، ولآخر بأكثر منها،