للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثمّ ملك بعده أخوه سليمان بن عبد الملك

كانت أيّامه ذات فتوح متوالية، وكان غيورا شديد الغيرة، وكان نهما فيقال إنّ الطّبّاخ كان يأتيه بالشّواء فلا يصبر حتى يبرد، فيأخذه بكمّه، وكان فصيحا بليغا وها هنا موضع حكاية: قال الأصمعيّ [١] : كنت مرّة أفاوض هارون الرّشيد، فجرى حديث أصحاب النّهم، فقلت: كان سليمان بن عبد الملك شديد النّهم، وكان إذا أتاه الطّبّاخ بشواء تلقّاه فأخذه بأكمامه، فقال الرشيد: ما أعلمك يا أصمعيّ بأخبار النّاس لقد اعترضت منذ أيّام جباب سليمان فوجدت أثر الدّهن في أكمامها فظننته طيبا. قال الأصمعيّ: ثمّ أمر لي بجبّة منها. وقيل: إنّ سليمان لبس يوما حلّة خضراء وعمامة خضراء ونظر في المرآة فقال: أنا الملك الفتى؟ ثمّ نظرت إليه جارية من جواريه فقال ما تنظرين؟ قالت:

أنت نعم المتاع لو كنت تبقى ... على أن لا بقاء للإنسان

ليس فيما علمته فيك عيب ... كان في الناس، غير أنك فاني

(خفيف) فلم تمض إلا جمعة واحدة حتّى مات. وكانت وفاته في سنة تسع وتسعين.

ثمّ ملك بعده عمر بن عبد العزيز بن مروان

لمّا مرض سليمان بن عبد الملك مرضته التي مات فيها، عزم على أن يبايع لبعض أولاده، فنهاه بعض أصحابه، أو قال له: يا أمير المؤمنين: إنّه مما يحفظ الخليفة في قبره أن يستحفظ على الناس رجلا صالحا. فقال سليمان: أستخير الله وأفعل. ثمّ استشاره في عمر بن عبد العزيز، فأشار عليه به وأثنى عليه خيرا فكتب سليمان عهده إلى عمر ابن عبد العزيز وختمه، ودعا أهل بيته وقال: بايعوا لمن عهدت إليه في هذا الكتاب ولم يعلمهم به فبايعوا، ثمّ لمّا مات جمعهم ذلك


[١] الأصمعي: عبد الملك بن قريب، أبو سعيد الأصمعيّ. من أشهر رواة العرب، وأعلمهم باللغة والشعر والبلدان. نشأ بالبصرة وطاف بالبوادي يجمع العلم والأخبار، وصحب الخليفة العباسيّ هارون الرشيد ونادمه. توفي بالبصرة عام/ ٢١٦/ هـ.

<<  <   >  >>