للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثمّ ملك بعده المهتدي باللَّه

هو أبو عبد الله محمّد بن الواثق، كان المهتدي من أحسن الخلفاء مذهبا وأجملهم طريقة وسيرة، وأظهرهم ورعا، وأكثرهم عبادة، كان يتشبّه بعمر بن عبد العزيز، ويقول: إنّي أستحي أن يكون في بني أميّة مثله، ولا يكون مثله في بني العبّاس، وكان يجلس للمظالم فيحكم حكما يرتضيه الناس، وكان يتقلّل في مأكوله وملبوسه.

حدّث بعض الهاشميّين قال: كنت عند المهتدي في بعض ليالي رمضان، فقمت لأنصرف، فأمرني بالجلوس فجلست، حتّى صلّى المهتدي بنا المغرب، ثمّ أمر بإحضار الطّعام فأحضر طبق خلاف [١] وعليه رغفان، وفي إناء ملح، وفي إناء خل، فأكل وأكلت أكلا مقصرا ظنّا منّي أنه يحضر طعام أجود من ذلك، فلمّا رأى أكلي كذلك قال: أما كنت صائما؟ قلت: بلى، قال: أفلست تريد الصوم غدا قلت: وكيف لا وهو شهر رمضان! فقال: كل واستوف عشاءك فليس ها هنا غير ما ترى، فعجبت وقلت: لم يا أمير المؤمنين، وقد أسبغ الله عليك نعمه ووسع رزقه؟ فقال: إنّ الأمر كما تقول والحمد للَّه، ولكني كرهت أن يكون في بني أميّة مثل عمر بن عبد العزيز وألا يكون في بني العبّاس مثله.

وكان المهتدي قد اطّرح [٢] الملاهي وحرّم الغناء والشراب، ومنع أصحابه من الظلم والتعدّي.

في أيّام المهتدي خرج صاحب الزّنج، وسيرد خبره في أيّام المعتمد إن شاء الله تعالى.

كان المهتدي قتل بعض الموالي، فشغب عليه الأتراك وهاجوا، وأخذوه أسيرا وعذبوه ليخلع نفسه فلم يفعل، فخلعوه هم ومات، وذلك في سنة ست وخمسين ومائتين.


[١] الخلاف: صنف من الصّفصاف، ولعلّه أراد القشّ.
[٢] اطّرح: ترك.

<<  <   >  >>