استوزر ابن مقلة وزير أخيه، وهي الوزارة الثانية، وقد تقدّم شرح طرف من سيرته فلا حاجة إلى إعادته. ثم استوزر محمّد بن القاسم بن عبيد الله بن سليمان بن وهب، ولم يتمكن من الوزارة ولا طالت أيّامه، ثم قبض عليه ونكبه، واتفق أن عرض له قولنج فمات بعقب ذلك. انقضت أيام القاهر ووزرائه.
في تلك الأيام نبعت الدّولة البويهيّة.
[شرح حال دولة آل بويه وابتدائها وانتهائها]
أمّا نسبهم فيرتفع من بويه إلى واحد واحد من ملوك الفرس حتّى يتّصل بيهوذا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل- عليه السلام- وكذلك إلى آدم أبي البشر، وليسوا من الدّيلم، وإنّما سمّوا بالدّيلم، لأنهم سكنوا بلاد الدّيلم [١] .
أما ابتداؤها: فإنّها دولة نبعت بما لم يكن في حساب الناس، ولم يخطر بعضه ببال أحد، فدوّخت الأمم وأذلّت العالم واستولت على الخلافة، فعزلت الخلفاء وولّتهم، واستوزرت الوزراء وصرفتهم، وانقادت لأحكامها أمور بلاد العجم وأمور العراق، وأطاعتهم رجال الدولة بالاتّفاق. هذا بعد الضّيق والفقر، والذلّ والمسكنة ومعاناة الحاجة والاضطهاد، فإنّ جدّهم أبا شجاع بويه وأباه وجدّه، كانوا كآحاد الرعيّة الفقراء ببلاد الدّيلم، وكان بويه صيّاد السّمك، وقد كان معزّ الدولة بعد تملكه البلاد يعترف بنعمة الله تعالى، ويقول: كنت أحتطب الحطب على رأسي.
فكان من مبدإ دولتهم ما حدّث به شهريار بن رستم الدّيلميّ قال: كان أبو شجاع بويه في مبدإ أمره صديقا لي، فدخلت عليه يوما وقد ماتت زوجته أمّ أولاده الثلاثة الذين تملكوا البلاد، وهم: عماد الدولة أبو الحسن عليّ، وركن الدولة أبو عليّ الحسن ومعزّ الدولة أبو الحسين أحمد- وقد اشتدّ حزن أبي شجاع بويه على زوجته فعزيته وسكّنت قلقه، ونقلته إلى منزلي وأحضرت له طعاما وجمعت إليه
[١] الدّيلم: منطقة جبليّة في إقليم جيلان جنوبيّ بحر قزوين.