ثمّ ملك بعده ابنه أبو جعفر عبد الله القائم بأمر الله
بويع في سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة.
كان القائم من أفاضل خلفائهم وصلحائهم. وطالت مدّته في الخلافة وزاد به وقار الدّولة ونمت قوّتها. وفي أيّامه انقرضت دولة بني بويه، وظهرت دولة بني سلجوق.
شرح حال الدّولة السلجوقيّة وابتدائها وانتهائها
هذه دولة قويّة قويت شوكتها. وعرضت مملكتها ونفذت تقدماتها في الحضرة الخليفية. واستولت على الخلافة. وخطب لها على المنابر. وضربت أسماء ملوكها على الدّرهم والدّينار.
[ذكر ابتداء حالهم]
هم قوم أصلهم من التّرك الخزر. وكانوا يخدمون مع ملوك التّرك. ونشأ جدّهم سلجوق وكانت أمارات النّجابة لائحة عليه، ودلائل السعادة ظاهرة على حركاته فقرّبه ملك التّرك واختصّ به ولقّبه «شباشي» ، ومعناه في لغتهم: قائم الجيش. فنبغ سلجوق بعلوّ همّته، واستمال قلوب الرجال بكرمه وعقله، وانقادت الأكابر إليه. فيقول: إنّ زوجة ملك التّرك قالت لزوجها: إنّي أتوسم في سلجوق تغلّبا عليك والرأي عندي أن تقتله فقد كثر ميل الناس إليه. فقال لها: سوف أبصر ما أصنع في أمره ثم أحسّ سلجوق بشيء من ذلك العزم، وظهر له التّغيّر فجمع عشيرته ومن تبعه وحالفهم، واستجلب من أطاعه، وصار قائدا معظّما للغزّ [١] ونفر بهم من بلاد التّرك إلى بلاد المسلمين، فلمّا دخلها أظهر الإسلام ليكون
[١] الغزّ: بضم العين أو كسرها، قبيلة قديمة من الأتراك دانت لسلجوق.