للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[وزارة ابن جهير]

كان فخر الدولة من عقلاء الرّجال ودهاتهم، كان في ابتداء أمره فقيرا مدقعا وترامت به الأسباب، فمن مبادئها: أنّه كان جالسا بالكوخ يوما، فعبر عليه غسّال ممّن يغسل بالخربات ومعه فصوص عتق قد استحالت ألوانها، فاشتراها منه بثلاثة دنانير وجلا بعضها، فخرج أحدها ياقوتا أحمر، وخرج الآخر فيروزجا جيّدا فصاغ لكلّ واحد منهما خاتما من ذهب. ثم إنه تقلّبت به الأمور حتى مضى في رسالة إلى ملك الرّوم فأهدى إليه الخاتمين، فأعطاه عشرين ألف دينار، فكانت أصل غناه ونعمته، ثم تنقّل في الخدمات حتى اتّصل بابن مروان صاحب ديار بكر [١] فخدمه مدّة وأثرى [٢] عنده ثروة ضخمة، فسمت همّته إلى وزارة الخليفة، فأرسل سرّا إلى القائم، وعرض عليه نفسه، وبذل له ثلاثين ألف دينار، فأرسل القائم بعض خواصّه في رسالة إلى ابن مروان، وكان غرضه من إرسال ذلك الرّسول أن يجتمع بفخر الدولة سرّا، وقرّر معه ما أراد، ثمّ لمّا أراد الرسول الرجوع إلى بغداد خرج فخر الدولة كأنه يودّعه، فانحدر معه إلى بغداد، وكان قبل ذلك قد فرّق أمواله بالبلاد وأنفذ منها شيئا إلى بغداد.

فلمّا وصل الرّسول إلى بغداد، وصحبته فخر الدولة، أرسل القائم إليه أصحابه يتلقونه، ثم خلع عليه خلع الوزارة، ونهض فخر الدولة بأمور الوزارة أحسن نهوض. وكانت الأطراف المتاخمة للعراق عاصية على الخليفة، وكان ملوكها أصدقاء فخر الدّولة، فكاتبهم وراسلهم، واستمالهم فدخلوا في طاعة الخليفة ثمّ عزل فخر الدولة عن الوزارة، بسبب كدر جرى بينه وبين نظام الملك وزير السّلطان ثم أعيد فخر الدّولة إلى الوزارة، ولمّا أعيد إلى منصبه قال ابن الفضل الشاعر يمدحه:


[١] ديار بكر: بلاد أقصى شرق الأناضول.
[٢] أثرى: زاد ماله واغتنى.

<<  <   >  >>