للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إلى ذلك ما ارتكبه من إغضاب أكابر أهله، والإساءة إليهم وتنفيرهم. فاجتمعوا عليه مع أعيان رعيّته وهجموا عليه وقتلوه وكان المتولّي لذلك يزيد بن الوليد بن عبد الملك، وذلك في سنة ستّ وعشرين ومائة.

ثمّ ملك بعده يزيد بن الوليد بن عبد الملك

كان يظهر التنسّك، وكان يقال: إنّه قدريّ. وسمّي: «النّاقص» لأنه نقص من أعطيات أهل الحجاز ما كان قد زادهم الوليد بن يزيد بن عبد الملك، فسمّي الناقص لهذا السبب، ولما بويع بالخلافة خطب الناس، وقال لهم كلاما حسنا أنا مثبته ها هنا لحسنه. خطبهم وذكر الوليد بن يزيد وإلحاده، وقال: سيرته كانت خبيثة كان منتهكا لحرمات الله فقتلته. ثم قال: أيّها الناس: إنّ لكم عليّ ألا أضع حجرا على حجر، ولا لبنة، على لبنة، ولا أكري [١] نهرا، ولا أكنز مالا، ولا أنقل مالا من بلد إلى بلد حتى أسدّ ثغرة وخصاصة [٢] أهله منه بما يغنيهم. فما فضل [٣] منه نقلته إلى البلد الآخر الّذي يليه، ولا أغلق بابي دونكم، ولكم أعطياتكم في كلّ سنة، وأرزاقكم كلّ شهر حتّى يكون أقصاكم كأدناكم. فإن وفيت لكم بما قلت فعليكم بالسّمع والطاعة وحسن المؤازرة. وإن لم أحرف [٤] ، فلكم أن تخلعوني إلا أن أتوب. وإن كنتم تعلمون أنّ أحدا ممن يعرف بالصلاح يعطيكم من نفسه ما قد بذلت لكم وأردتم أن تبايعوه فأنا أوّل من يبايعه معكم. إنّه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» .

أقول: إنّ هذا الكلام حسن بالنسبة إلى ذلك الزمان وإلى اصطلاح أهله، فإنّ هذه الشّرائط هي التي كانت معتبرة عندهم في استحقاق الرئاسة. فأمّا في هذا العصر فلو افتخر ملك من الملوك بأنّه لا يكري نهرا ولا يضع حجرا على حجر،


[١] كرى النهر: حفر فيه حفرة جديدة.
[٢] الثغرة: الثّلمة والنقص، والخصاصة: الفقر والحاجة.
[٣] فضل: زاد.
[٤] أحرف الرّجل: كدّ على عياله وسعى لخيرهم.

<<  <   >  >>