للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أبا عبيدة بن الجراح- رضي الله عنه- فورد رسول عمر إلى الجيش بالشأم بكتاب عمر إلى أبي عبيدة بتوليته وعزل خالد. واتفق وصول الرسول وهم مشغولون بالحرب فجعل الناس يسألون الرسول عن سبب قدومه، فأخبرهم بالسلامة ووعدهم أنّ وراءه مددا لهم، وكتم عنهم موت أبي بكر ثم وصل إلى أبي عبيدة بن الجراح فأخبره سرّا بموت أبي بكر، وناوله كتاب عمر بتوليته وعزل خالد. فاستحيا أبو عبيدة من خالد وكره أن يعلمه بالعزل، وهو قد بذل جهده في القتال فكتم أبو عبيدة الخبر عن خالد وصبر حتى تمّ الفتح وكتب الكتاب باسم خالد، ثم أعلمه بموت أبي بكر، وبعزله فسلّم إليه الجيش. وكان فتح دمشق في سنة أربع عشرة من الهجرة، في خلافة عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- وفي الدولة المذكورة كان فتح العراق، وأخذ الملك من الأكاسرة.

[شرح مبدإ الحال في انتقال الملك من الأكاسرة إلى العرب]

إنّ الله تعالى بسابق علمه وبالغ حكمته وعزّة قدرته، إذا أراد أمرا هيّأ أسبابه وقد وصف نفسه عزّ وجل بقوله قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ من تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ من تَشاءُ وَتُذِلُّ من تَشاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ٣: ٢٦ [١] ولما أراد- جلّ شأنه، وعزّ سلطانه- نقل الملك عن فارس إلى العرب أصدر من المنذرات بذلك ما ملأ به قلوبهم وقلوب أوليائهم رعبا. فأوّل ذلك: ارتجاس [٢] الإيوان [٣] وسقوط الشرفات منه، وذلك عند ميلاد الرسول- عليه أفضل الصلوات- وخمود نار فارس ولم تكن خمدت قبل ذلك بألف عام، وذلك في عهد أنوشروان العادل. فلما رأى أنوشروان سقوط الشّرفات وانشقاق الإيوان غمّه ذلك ولبس تاجه وجلس على سريره، وأحضر وزراءه وشاورهم في


[١] سورة آل عمران، الآية/ ٢٦/.
[٢] ارتجاس: اهتزاز.
[٣] الإيوان: قصر كسرى أنوشروان ملك الفرس.

<<  <   >  >>