وزيرنا زاهد والناس قد زهدوا ... فيه فكلّ عن اللذّات منكمش
أيّامه مثّل شهر الصّوم خالية ... من المعاصي وفيها الجوع والعطش
(بسيط) وما زالت السّعادة تخدمه إلى آخر عمره، فمن جملة سعادته- وهو من الاتّفاقات العجيبة- ما حدّث عنه، وهو أنه قبل الوزارة عمل في بعض الأعياد سنبوسجا كثيرا، وأحبّ أنّ يداعب بعض أصحابه، فأمر أن يحشى سبعون سنبوسجة بحبّ قطن ونخالة وتجعل مفردة، وعمل سنبوسجا كثيرا كجاري العادة، وركب إلى دار الخليفة فطلب منه عمل شيء من السنبوسج، فذكر أنّ عنده شيئا مفروغا منه، وأمر خادما له بإحضار ما عنده من السّنبوسج، فمضى الخادم عن غير معرفة بذلك المحشوّ بحبّ القطن ومزج الجميع ووضعه في الأطباق ليحمله إلى دار الخليفة، فجاء الجواري والخدم وقالوا: أعطونا حصّتنا من هذا، فأخذوا منه مائة سنبوسجة، وحمل الخادم الأطباق بما فيها إلى دار الخليفة، فلمّا حمل السّنبوسج وصار بدار الخليفة ورجع ابن الناقد إلى داره سأل عن السنبوسج المحشوّ بحبّ القطن، فقالوا له: ما عرفنا بشيء من ذلك، وفلان الخادم جاء ومزج الجميع وأخذه ومضى، فلم يشكّ أنّه هالك وكادت تسقط قوّته خوفا وخجلا، فقال: أما تخلّف منه شيء قطّ؟ قالوا: قد اقتطع الجواري والخدم منه حدود مائة سنبوسجة، فقال: أحضروها فأحضرت وفتحت بين يديه، فوجد السبعين سنبوسجة المحشوّة بحبّ القطن قد حصلت بأيدي الجواري والخدم في جملة ما أخذوه لأنفسهم، لم تشذّ منهم واحدة إلى دار الخليفة، ومات نصير الدين في سنة اثنتين وأربعين وستّمائة في خلافة المستعصم.
انقضت أيام المستنصر ووزرائه.
ثمّ ملك بعده ولده أبو أحمد عبد الله المستعصم باللَّه
بويع له بالخلافة في سنة أربعين وستّمائة، وهو آخر الخلفاء.
كان المستعصم رجلا خيّرا متديّنا ليّن الجانب سهل العريكة عفيف اللسان حمل كتاب الله تعالى، وكتب خطّا مليحا وكان سهل الأخلاق، وكان خفيف الوطأة إلّا أنّه كان مستضعف الرأي ضعيف البطش، قليل الخبرة بأمور المملكة مطموعا