فيه، غير مهيب في النفوس، ولا مطّلع على حقائق الأمور، وكان زمانه ينقضي أكثره بسماع الأغاني والتفرّج على المساخرة، وفي بعض الأوقات يجلس بخزانة الكتب جلوسا ليس فيه كبير فائدة، وكان أصحابه مستولين عليه، وكلّهم جهال من أراذل العوامّ، إلا وزيره مؤيّد الدين محمّد بن العلقميّ فإنّه كان من أعيان الناس وعقلاء الرّجال، وكان مكفوف اليد مردود القول، يترقّب العزل والقبض صباح مساء.
وكانت عادة الخلفاء أكثرهم أن يحبسوا أولادهم وأقاربهم- وبذلك جرت سنّتهم إلى آخر أيّام المستنصر- فلمّا ولي المستعصم أطلق أولاده الثلاثة ولم يحبسهم وهم: الأمير الكبير أبو العبّاس أحمد، والعامّة تسمّيه أبا بكر، وليس بصحيح، وإنما سمّوه بذلك، لأنّه لمّا نهب الكرخ نسب الأمر في ذلك إليه وقيل إنّه هو الّذي أشار بذلك والأمير الأوسط وهو أبو الفضائل عبد الرّحمن كان شهما، خرج إلى بين يدي السّلطان هولاكو، ووقع كلامه بموضع الاستحسان في الحضرة السّلطانية، والأمير الأصغر أبو المناقب.
حدّثني صفيّ الدين عبد المؤمن بن فاخر الأرمويّ- وكان قد صار في آخر أيّام المستعصم مقرّبا عنده ومن خواصّه، وكان قد استجدّ في آخر أيّامه خزانة كتب ونقل إليها من نفائس الكتب وسلّم مفاتيحها إلى عبد المؤمن، فصار عبد المؤمن يجلس بباب الخزانة ينسخ له ما يريد، وإذا خطر للخليفة الجلوس في خزانة الكتب جاء إليها وعدل عن الخزانة الأولى التي كانت مسلّمة إلى الشيخ صدر الدّين عليّ ابن النيّار، قال (أعني عبد المؤمن) : كنت مرّة جالسا في حجرة صغيرة وأنا أنسخ وهناك مرتبة برسم الخليفة إذا جاء إلى هناك جلس عليها، وقد بسطت عليها ملحفة لتردّ عنها الغبار، فجاء خويدم صغير ونام قريبا من المرتبة المذكورة واستغرق في النّوم، فتقلّب حتى تلفّف في تلك الملحفة المبسوطة على المرتبة ثم تقلّب حتّى صارت رجلاه على المسند، قال: وأنا مشغول بالنّسخ فأحسست بوطء في الدّهليز، فنظرت فإذا هو الخليفة وهو يستدعيني بالإشارة ويخفّف وطأه، فقمت إليه منزعجا وقبّلت الأرض، فقال لي: هذا الخويدم الّذي قد نام حتى تلفّف في هذه الملحفة وصارت رجلاه على المسند متى هجمت عليه حتّى يستيقظ ويعلم أني شاهدته على هذه الحال فتنفطر مرارته من الخوف، فأيقظه أنت برفق فإنّي سأخرج