ثمّ ملك بعده ابنه الرّاشد باللَّه أبو جعفر منصور بن المسترشد
بويع له بالخلافة عقيب وصول الخبر بقتل أبيه سنة تسع وعشرين وخمسمائة وجهّز الرّاشد عسكرا كثيفا وتوجّه لمحاربة مسعود، نحو العراق طالبا لتملّكه، فوصل إلى بغداد في خمسة آلاف فارس ودخلها، فكفّ الرّاشد عن حربه وخرج منها متوجّها إلى الموصل، ودخل السّلطان مسعود بغداد واستبدّ بتدبير الأمور فيها، وأظهر العدل ومنع الجند من الأذى، وجمع القضاة والشّهود وأخذ خطوطهم بالقدح في الرّاشد وكتب محضرا بخلع الرّاشد وأثبته على القضاة وتولّى ذلك له الوزير الزّينبيّ، وكان مسعود قد استشار الزّينبيّ فيمن يولّيه الخلافة فقال له يا مولانا، هناك رجل يصلح لها فسأله عن اسمه فقال له: يا مولانا إن سمّيته أخاف أن يقتل ولكن إذا دخلنا بغداد سمّيته لك. فلمّا احتاجوا إلى إجلاس خليفة سمّى الزّينبيّ له أبا عبد الله محمّدا المقتفي عمّ الراشد، فبايع له وأجلسه على سرير الخلافة. ثمّ إنّ الرّاشد لم يتمّ له بالموصل أمر فسار عنها إلى أصفهان، فوثب عليه جماعة من الملاحدة فقتلوه على باب أصفهان. ذلك في سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة وقبره هناك معروف.
شرح حال الوزارة في أيّامه
لمّا أفضت الخلافة إليه استوزر جلال الدين أبا الرّضا محمّد بن صدقة، ولم تطل أيّامه، وخاف مما جرى، فالتجأ إلى زنكي بن آقسنقر صاحب الموصل [١] فأجاره وأصلح أمره. ثمّ لمّا خرج الراشد من بغداد استخدم هذا أبو الرّضا في بعض الخدمات غير الوزارة، ومات في سنة ستّ وخمسين وخمسمائة، ولم يكن له من السيرة ما يؤثر.
انقضت أيّام الراشد، ووزرائه.
[١] زنكي بن آقسنقر: عماد الدين، أولاده غازي ومودود ومحمود. كان شجاعا وهو أوّل ملوك الدولة الأتابكيّة بالموصل. وهو الّذي قاد ميمنة الجيش في حرب الخليفة المسترشد باللَّه مع دبيس ابن صدقة، وقد توسّعت مملكته إلى حلب ودمشق وحارب الفرنجة الصليبيين واستعاد منهم الرّها قتل غيلة عام/ ٥٤١/ هـ. انظر تفصيلات أكثر في كتاب الأعلام للزركلي ج ٣ ص ٥٠.