فخرج بعض خدمه وهو يقول: سخنت عينك فما أسخفك! فانظر إلى هذا وإلى أبيه عبد الملك حين خرج إلى قتال مصعب بن الزبير، وصدّته عاتكة بنت يزيد بن معاوية فلم يلتفت إليها، واستشهد بذينك البيتين! وقد سبق شرح ذلك في ترجمة عبد الملك بن مروان. ولم تكن دولة يزيد طائلة، ولا وقع فيها من الفتوح والوقائع ما تحسن حكايته. وكانت وفاته في سنة خمس ومائة عشقا وصبابة.
ثمّ ملك بعده أخوه هشام بن عبد الملك
كان هشام بخيلا شديد البخل، إلا أنّه كان غزير العقل حليما عفيفا. امتدّت أيّامه وجرى فيها وقائع. فمن وقائعها الشهيرة: قتل زيد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه السّلام.
شرح مقتل زيد بن عليّ بن الحسين إمام الزيديّة رضي الله عنه
كان زيد من عظماء أهل البيت- عليهم السّلام- علما وزهدا وورعا وشجاعة ودينا وكرما. وكان دائما يحدّث نفسه بالخلافة، ويرى أنّه أهل لذلك.
وما زال هذا المعنى يتردّد في نفسه، ويظهر على صفحات وجهه وفلتات لسانه، حتّى كانت أيّام هشام بن عبد الملك، فاتّهمه بوديعة لخالد بن عبد الله القسريّ أمير الكوفة، فحمله إلى يوسف بن عمر أميرها في ذلك العصر، فاستخلفه أن ما لخالد عنده مال، وخلّى سبيله فخرج ليتوجّه إلى المدينة فتبعه أهل الكوفة وقالوا له: أين تذهب- يرحمك الله- ومعك مائة ألف سيف نضرب بها دونك، وليس عندنا من بني أميّة إلا نفر قليل؟ لو أنّ قبيلة واحدة منّا صمدت لهم لكفتهم بإذن الله، ورغّبوه بهذا، وأمثاله، فقال لهم: يا قوم إنّي أخاف غدركم، فإنّكم فعلتم بجدّي الحسين- عليه السّلام- ما فعلتم، وأبى عليهم. فقالوا: نناشدك الله إلا ما رجعت، ونحن نبذل أنفسنا دونك، ونعطيك من الأيمان والعهود والمواثيق ما تثق به، فإنّا نرجو أن تكون المنصور. وأن يكون هذا الزمان الّذي يهلك فيه بنو أميّة. فلم يزالوا به