لا بدّ قبل الخوض في ذلك من مقدّمة، يشرح فيها ابتداء أمر أبى مسلم الخراساني فإنّه رجل الدّولة وصاحب الدّعوة، وعلى يده كان الفتح.
شرح ابتداء أمر أبي مسلم الخراسانيّ ونسبه
أمّا نسبه: ففيه اختلاف كثير لا فائدة في استقصاء القول فيه، فقيل: هو حرّ من ولد بزرجمهر، وإنّه ولد بأصفهان ونشأ بالكوفة، فاتّصل بإبراهيم الإمام ابن محمّد بن عليّ بن عبد الله بن العبّاس، فغيّر اسمه وكنّاه بأبي مسلم وثقّفه وفقّهه حتى كان منه ما كان. وقيل: هو عبد، تنقّل في الرقّ حتّى إبراهيم الإمام، فلما رآه أعجبه سمته وعقله، فابتاعه من مولاه وثقّفه وفهّمه، وصار يرسله إلى شيعته وأصحاب دعوته بخراسان وما زال على ذلك حتى كان من الأمر ما كان.
وأمّا هو: فإنه لمّا قويت شوكته، ادّعى أنّه ابن سليط بن عبد الله بن العبّاس ثم ترسّل أبو مسلم لإبراهيم الإمام إلى خراسان ودعا إليه سرّا. وما زال على ذلك حتّى ظهرت الدعوة وتمّ الأمر.
مقدّمة أخرى قبل الخوض فيها
قال الله تعالى: وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ ٣: ١٤٠ [١] .
وعزّى بعض الحكماء بعض الملوك عن مملكة خرجت عنه فقال: لو بقيت لغيرك لما وصلت إليك.
واعلم- علمت الخير- أنّ هذه دولة من كبار الدّول، ساست العالم سياسة ممزوجة بالدّين والملك، فكان أخيار الناس وصلحاؤهم يطيعونها تدينا، والباقون يطيعونها رهبة أو رغبة، ثمّ مكثت فيها الخلافة والملك حدود ستمائة سنة، ثم