للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وزارة عون الدّين أبي المظفّر يحيى بن هبيرة للمقتفي

أوّل منشئه من قرية تعرف بالدّور من أعمال دجيل [١] ، تعرف اليوم بدور الوزير نسبة إلى ابن هبيرة، وكان أبوه أكّارا [٢] بالقرية المذكورة، وكان يحثّ ولده على تحصيل الأدب وإدراك الفوائد، وكان يردّده صغيرا إلى بغداد ويحضره إلى مجالس الصّدور وصدور المجالس، وكان هو كما قيل:

ولها من نفسها طرب ومات أبوه وهو صبيّ، فتفرّد بالاشتغال، وتقلّبت به تصاريف الأمور، ومرّت عليه شدائد، وكابد من الفقر أهوالا، وتنقل في الخدمات، فكان لا ينتقل من خدمة إلا إلى أكبر منها، وما زال ينتقل من خدمة إلى أخرى أرفع منها حتّى تقلّد الوزارة للمقتفي فمكث فيها مدّة، ومشاهرته في كلّ سنة مائة ألف دينار، وكان كريما جوادا سمحا لا يخرج من السّنة وفي خزانته منها درهم واحد، وكان المقتفي والمستنجد يقولان: ما وزر لبني العبّاس كيحيى بن هبيرة في جميع أحواله، وكانت له في قمع الدّولة السّلجوقية يد قويّة وحيل مرضية، وكان وقورا حليما متواضعا، لمّا تولّى الوزارة دخل الديوان وعليه الخلع، فرأى غلاما من غلمان الديوان واقفا عن بعد فاستدناه وتبسّم في وجهه، وأمر له بذهب وكسوة، ثم قال: لا إله إلا الله أذكر مرّة، وقد دخلت هذا الديوان وجلست في بعض المجالس، فجاء هذا الغلام وجذبني بيدي وقال: قم فليس هذا مكانك، وقد رأيته الساعة واقفا، وأثر الخوف ظاهر عليه، فأحببت أن أؤانسه وأزيل رعبه، ورأى يوما في الديوان جنديّا فقال لحاجبه: أعط هذا الجندي عشرين دينارا وكرّ [٣] حنطة، وقل له: لا يدخل الديوان ولا يرينا وجهه، فتغامز الناس وتشوّفوا إلى معرفة السبب في ذلك وفطن الوزير لذلك، فقال لهم: كان هذا الجنديّ شحنة في قريتنا، فقتل شخص من أهل


[١] دجيل: إقليم بالأهواز فيه نهر بهذا الاسم.
[٢] الأكّار: الحرّاث أو الفلّاح.
[٣] الكرّ: مكيال يعادل أربعين إردبا. والإردب أربعة وعشرون صاعا أو كأسا كبيرة.

<<  <   >  >>