لمّا بويع بالخلافة أقرّ ابن هبيرة وزير أبيه على وزارته، وزاد في رفع منزلته، وقد مضى من سيرة ابن هبيرة ما يغني عن الإعادة.
وزارة ولده محمّد بن يحيى بن هبيرة
لقبه عزّ الدين، ناب عن الوزارة بعد وفاة والده، وكان فاضلا رئيسا عبقا بالسّيادة، شاعرا رشيق المعاني، خبيرا بالأدب والحديث النّبويّ، وحبس بعد موت أبيه ولم يعلم خبره بعد الحبس، وروي عنه هذان البيتان، أنهما له.
كم منحت الأحداث صبرا جميلا ... ولكم خلت صابها سلسبيلا
وزارة شرف الدّين أبي جعفر محمّد بن أبي الفتح بن البلديّ للمستنجد باللَّه
كان قبل الوزارة ناظرا بواسط، فأبان في مدّة ولايته عليها عن قوّة وجلادة وارتفاعات نامية وحلوم دارّة، فعظمت منزلته عند المستنجد، وكوتب عن الخليفة إلى واسط بما يقضي أن يكون وزيره، وتأكّد الحال في ذلك، فحكم حكم الوزراء وهو بواسط، ووقّع وكاتب ملوك الأطراف وهو بواسط، ثمّ أصعد إلى بغداد فخرج الموكب لتلقيه، وفيه جميع أعيان الدّولة، وكان عضد الدين أبو الفرج محمّد بن رئيس الرّؤساء أستاذ الدّار بينه وبين ابن البلديّ كدر، فكره عضد الدين الخروج إلى تلقّيه، وقد كان الخليفة تقدّم إليه بالخروج، فبذل خمسة آلاف دينار على أن يعفى من الخروج إليه، فقال الخليفة: إن عجّلها نقدا أعفيته من الخروج، فوزنت في الحال وحملت، فلمّا صارت في الخزن تقدّم الخليفة إليه بالخروج لتلقي الوزير، وقيل له: هذا المال جناية عن كونك تكره ما نؤثر، وتراجع في التقدمات الشّريفة، فذهب المال منه وخرج عابرا إلى الجانب الغربيّ صحبة الموكب، ومضى النّاس