للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثمّ ملك بعده ولده أبو جعفر المنصور المستنصر باللَّه

بويع بالخلافة في سنة ثلاث وعشرين وستّمائة.

كان المستنصر شهما جوادا يباري الرّيح كرما وجودا، وكانت هباته وعطاياه أشهر من أن يدلّ عليه وأعظم من أن تحصى، ولو قيل: إنّه لم يكن في خلفاء بني العبّاس مثله لصدق القائل. وله الآثار الجليلة: منها- وهي أعظمها- المستنصريّة وهي أعظم من أن توصف، وشهرتها تغني عن وصفها ومنها: خان حربي وقنطرتها وخان نهر سابس بأعمال واسط، وخان الخرنيني، وغير ذلك من المساجد والرّبط ودور الضيافات، وكان المستنصر يقول: إني أخاف أن الله لا يثيبني على ما أهبه وأعطيه لأنّ الله تعالى يقول: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ٣: ٩٢ [١] وأنا والله لا فرق عندي بين التراب والذّهب.

كانت أيامه طيبة والدنيا في زمانه ساكنة، والخيرات دارّة [٢] والأعمال عامرة وفي أيامه فتحت إربل، أرسل المستنصر إليها إقبالا الشرابيّ وصحبته عارض الجيوش، وذلك عند وفاة صاحبها مظفّر الدين بن زين الدين علي كوجك.

ومات المستنصر في سنة أربعين وستمائة.

[شرح حال الوزارة في أيامه]

لمّا بويع بالخلافة أقرّ القمّي وزير أبيه وجدّه على وزارته سنوات، ثمّ قبض عليه وجرى له ما تقدّم من شرحه.

وزارة نصير الدّين أبي الأزهر أحمد ابن محمّد بن الناقد

ثم استوزر المستنصر بعد القمّي أبا الأزهر أحمد بن النّاقد، كان في ابتداء أمره وكيلا، فمكث مدّة في الوكالة ثمّ منها إلى الوزارة، فنهض بأعبائها نهوضا حسنا وقام بضبط المملكة قياما مرضيا، وكان عظيم الأمانة قويّ السياسة شديد الهيبة على المتصرّفين حاسما لموادّ الأطماع والفساد، قيل: إنّه هجي ببيتين فلمّا


[١] سورة آل عمران، الآية/ ٩٢/.
[٢] دارّة: كثيرة الدّرّ أو الخير.

<<  <   >  >>