للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالتفت أحدهم إلى من بجانبه وقال: قتلنا العبد! ثمّ أمر بهم السفّاح فضربوا بالسيوف حتى قتلوا، وبسط النّطوع عليهم وجلس فوقهم فأكل الطعام، وهو يسمع أنين بعضهم، حتى ماتوا جميعا.

وبالغ بنو العبّاس في استئصال شأفة بني أميّة [١] ، حتى نبشوا قبورهم بدمشق: فنبشوا قبر معاوية بن أبي سفيان- رضي الله عنه- فلم يجدوا فيه إلا خيطا مثل الهباء ونبشوا قبر يزيد. فوجدوا فيه حطاما كأنّه الرّماد. ولمّا قتل رجالهم واستصفى أموالهم قال:

بني أمية قد أفنيت جمعكم ... فكيف لي منكم بالأوّل الماضي

يطبّب النفس أنّ النار تجمعكم ... عوّضتم من لظاها شرّ معتاض

منيتم- لا أقال الله عثرتكم- ... بليث غاب إلى الأعداء نهّاض

إن كان غيظي لفوت منكم فلقد ... رضيت منكم بما ربّي به راض

(بسيط) ثمّ لم تطل مدة السفّاح حتى مات بالأنبار [٢] ، في سنة مائة وست وثلاثين.

شرح حال الوزارة في أيّامه

لا بدّ قبل الخوض في ذلك من تقديم كلمات في هذا المعنى، فأقول:

الوزير وسيط بين الملك ورعيته، فيجب أن يكون في طبعه شطر يناسب طباع الملوك، وشطر يناسب طباع العوامّ، ليعامل كلّا من الفريقين بما يوجب له القبول والمحبّة. والأمانة والصدق رأس ماله. قيل: إذا خان السفير بطل التّدبير.

وقيل: ليس لمكذوب رأي. والكفاءة والشهامة من مهمّاته، والفطنة والتيقّظ والدّهاء والحزم من ضروريّاته. ولا يستغني أن يكون مفضالا مطعاما، ليستميل بذلك الأعناق، وليكون مشكورا بكلّ لسان. والرّفق والأناة والتّثبت في الأمور، والحلم والوقار والتمكّن ونفاذ القول، ممّا لا بدّ له منه.


[١] استئصال الشأفة: الإزالة من الأصل حتّى الفروع.
[٢] الأنبار: جنوب غرب العراق.

<<  <   >  >>