لمّا بويع بالخلافة أقرّ جعفر بن محمود الإسكافيّ على وزارته، ثم عزله واستوزر سليمان بن وهب.
[وزارة سليمان بن وهب بن سعيد للمهتدي]
هم من قرية من أعمال واسط، وكانت لهم كفاية، وكانوا نصارى ثمّ أسلموا وخدموا في الدّواوين حتّى آلت بهم الحال إلى ما آلت.
كان أبو أيّوب سليمان بن وهب أحد كتّاب الدّنيا ورؤسائها فضلا وأدبا وكتابة في الدّرج والدّستور، وأحد عقلاء العالم وذوي الرأي منهم.
حدّث ابنه عبيد الله قال: حدّثني أبي قال: كان مبدأ سعادتي أنّي كنت وأنا صبيّ بين يدي محمّد بن يزداد وزير المأمون، وكنّا جماعة من الصّبيان بين يديه، إذا راح في الليل إلى داره وبات واحد منّا في دار المأمون بالنّوبة، لمهم عساه يعرض في الليل قال: فكانت ليلة نوبتي، فخرج خادم وقال: ها هنا أحد من نوّاب محمّد بن يزداد؟ فقال الحاجب له: نعم، ها هو ذا، فأدخلني إلى المأمون، فقال لي: اعمل نسخة في المعنى الفلاني، ووسع بين سطورها وأحضرها لأصلح منها ما أريد إصلاحه، قال: فخرجت سريعا وكتبت الكتاب بغير نسخة، وبيّضته وأحضرته إليه، فلما رآني قال: كتبت النّسخة؟ قلت: بل كتبت الكتاب، فقال:
بيّضته؟ قلت: نعم، فزاد في نظره إليّ كالمتعجّب مني، فلمّا قرأه تبيّنت الاستحسان على وجهه، ورفع رأسه إليّ وقال: ما أحسن ما كتبت يا صبيّ! ولكن أريد أن تقدّم هذا السطر وتؤخّر هذا السطر، وخطّ عليهما بقلمه، فأخذت الكتاب وخرجت وجلست ناحية ثم محوت السّطرين وعملت ما أراد، وجئته بالكتاب، وكان قد ظنّ أنّي أبطله وأكتب غيره، فلما قرأه لم يعرف موضع المحو فاستحسنه وقال: يا صبيّ: لا أدري من أيّ شيء أعجب-! أمن جودة محوك أم من سرعة فهمك، أم من حسن خطّك، أم من سرعتك! بارك الله فيك! فقبّلت يده وخرجت،