وكان ذلك أوّل علوّ منزلتي، وصار المأمون لا يجري مهمّ إلا قال: هاتوا سليمان ابن وهب، ولما جرت له هذه القضيّة كتب إليه بعض الشّعراء:
أبوك كلّفك الشّأو البعيد كما ... قدما تكلّفه وهب أبو حسن
فلست تحمد إن أدركت غايته ... ولست تعذر مسبوقا فلا تهن
(بسيط) حدّث أحمد بن المدبر قال: كنّا في حبس الواثق أنا وسليمان بن وهب وأحمد بن إسرائيل، مطالبين بالأموال، فقال لنا سليمان بن وهب يوما: قد رأيت في المنام كأنّ قائلا يقول لي: يموت الواثق بعد شهر، فاستغاث أحمد بن إسرائيل وقال له: والله لا تزال حتّى تسفك دماؤنا! وخاف أشدّ خوف أن يشيع هذا الحديث عنّا، قال ابن المدبر: فعددت من ذلك اليوم ثلاثين يوما، فلمّا كان يوم ثلاثين قال لي أحمد بن إسرائيل: أين مصداق القول وصحّة المنام؟ وكان قد حصر التاريخ وحسب ونحن لا نعلم، فقال له سليمان بن وهب: الرؤيا تصدق وتكذب، فلما كانت العشاء الآخرة إذ طرق علينا الباب طرقا شديدا وصائح يصيح: البشارة البشارة، مات الواثق، فاخرجوا أين شئتم، فضحك أحمد بن إسرائيل وقال: قوموا فقد تحقّقت الرؤيا وجاء الفرج فقال سليمان بن وهب: كيف نقدر أن نمشي مشاة ومنازلنا بعيدة، ولكن نبعث فنحضر دوابّ نركبها، فاغتاظ أحمد بن إسرائيل وقويت السوداء عليه، وكان شكس الأخلاق وقال له: ويحك يا سليمان! تنتظر مجيء فرسك حتّى يتولّى خليفة آخر فيقال له: في الحبس جماعة من الكتّاب، فيقول: يتركون على حالهم حتى ننظر في أمورهم، فنلبث في الحبوس زيادة على هذا، ويكون سبب ذلك توجّهك راكبا إلى منزلك يا فاعل يا صانع! فضحكنا وخرجنا مشاة في الليل، واجمع رأينا على أن نستتر عند بعض أصحابنا حتّى تتحقّق الأخبار فو الله لقد رأينا في طريقنا رجلين يقول أحدهما للآخر: إنّ هذا الخليفة الجديد قد عرف أحوال المحبّسين من الكتّاب وأصحاب الجرائم فقال: لا يفرج عن أحد حتّى انظر في حاله، فتخفّينا إلى أن أمّننا الله تعالى في أسرع وقت وله الحمد، ومن شعره: