أمّه أمّ جعفر، زبيدة بنت جعفر بن المنصور، وليس في خلفاء بني العبّاس من أمّه وأبوه هاشميّان سواه، كان الأمين كثير اللهو واللّعب، منقطعا إلى ذلك مشتغلا به عن تدبير مملكته، قال ابن الأثير المؤرخ الجزري: لم نجد للأمين شيئا من سيرته نستحسنه فنذكره، وقال غيره: كان الأمين فصيحا بليغا كريما وفيه يقول بعض الشعراء يمدحه، ويعرّض بهجو المأمون أخيه:
لم تلده أمة ... تعرف في السّوق التّجارا
لا ولا، حدّ ولا خان ... ولا في الخزي جارا
(رمل) يعرّض بالمأمون، لأن الرشيد كان قد حدّه في خمر.
كان الرّشيد قد بايع للأمين بولاية العهد وللمأمون بعده، وكتب الكتب بذلك وأشهد فيها الشّهود، وأرسل نسخها إلى الأمصار، فعلّقت نسخة من تلك النّسخ على الكعبة وأكّد ذلك بكلّ ما إليه السّبيل، فلما مات بطوس كان المأمون في خراسان، ومعه جماعة من أكابر القوّاد، ووزيره الفضل بن سهل وكان الأمين ببغداد، وكان الفضل بن الربيع وزير الرشيد مع الرّشيد بطوس، فلما مات الرشيد جمع الفضل جميع ما في العسكر- وكان الرشيد قد أوصى به للمأمون- وتوجّه الفضل إلى بغداد فاستوزره الأمين، ثم اشتغل باللهو واللعب ومعاشرة المجّان، فأشار الفضل بن سهل وزير المأمون على المأمون بإظهار الورع والدّين وحسن السّيرة، فأظهر المأمون حسن السيرة واستمال القوّاد وأهل خراسان، وكان كلّما اعتمد الأمين حركة ناقصة، اعتمد المأمون حركة سديدة، ثم نشأت العداوة بينهما، وحسّن الفضل بن الرّبيع وغيره له أن يخلع أخاه المأمون من ولاية العهد، ويبايع لابنه موسى، فخلعه وبايع موسى، وسمّاه الناطق بالحقّ وبسبب ذلك كانت الفتنة ببغداد بين الأمين والمأمون، وكان في آخرها قتل الأمين.