للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[وزارة أخيه الحسن بن سهل للمأمون]

استوزره المأمون بعد أخيه الفضل ومال إليه، وتلافاه جبرا لمصابه بقتل أخيه وتزوّج ابنته بوران، وانحدر في أهله وأصحابه وعساكره وأمرائه إلى فم الصلح بواسط [١] فقام الحسن بن سهل في إنزالهم قياما عظيما، وبذل من الأموال ونثر من الدّرر ما يفوت حدّ الكثرة، حتّى إنّه عمل بطاطيخ من عنبر وجعل في وسط كلّ واحدة منها رقعة بضيعة من ضياعه ونثرها، فمن وقعت في يده بطيخة منها فتحها وتسلّم الضيعة التي فيها وكانت دعوة عظيمة تتجاوز حدّ التجمل والكثرة حتّى إنّ المأمون نسبه إلى ذلك إلى السّرف، وقالوا جملة ما أخرج على دعوة فم الصّلح خمسون ألف ألف درهم.

كان الحسن بن سهل قد فرش للمأمون حصيرا منسوجا من الذّهب ونثر عليه ألف لؤلؤة من كبار اللؤلؤ، فلمّا رآه المأمون قال: قاتل الله أبا نواس! كأنه شاهد مجلسنا هذا حيث يقول:

كأنّ صغرى وكبرى من فقاقعها ... حصباء درّ على أرض من الذّهب

(بسيط) قالوا: قدم رجل إلى باب الحسن بن سهل يلتمس صلته وعارفته [٢] فاشتغل عنه مديدة فكتب إليه:

المال والعقل ممّا يستعان به ... على المقام بأبواب السّلاطين

وأنت تعلم أني منهما عطل [٣] ... إذا تأمّلتني يا ابن الدّهاقين [٤]

أما تدلّك أثوابي على عدمي [٥] ... والوجه أني رئيس في المجانين

والله يعلم ما للملك من رجل ... سواك يصلح للدّنيا وللدّين

(بسيط)


[١] واسط: مدينة بناها الحجاج بن يوسف الثقفي جنوبيّ الكوفة وشمالي البصرة، أضحت من قواعد العراق قبل أن تبنى بغداد على يد المنصور.
[٢] عارفته: عطاءه وإحسانه، العارفة: المعروف.
[٣] عطل: خال.
[٤] الدهاقين: جمع دهقان وهو المختار أو الزعيم أو العمدة باللغة الفارسية.
[٥] العدم: الفقر والإفلاس.

<<  <   >  >>