للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إلى البستان، ثمّ أعود، قال: وخرج الخليفة فدخلت إلى الخويدم وأيقظته فانتبه، ثم أصلحنا المرتبة، ثمّ دخل الخليفة.

وحدّثني بعض أهل بغداد قال: حدّثت أنّ الشيخ صدر الدين بن التيار شيخ الخليفة قال: دخلت مرّة إلى خزانة الكتب على عادتي وفي كمّي منديل فيه رقاع كثيرة لجماعة من أرباب الحوائج، فطرحت المنديل وفيه الرّقاع في موضعي، ثم قمت لبعض شأني، فلمّا عدت إلى الخزانة بعد ساعة حللت الرّقاع من المنديل حتى أتأملّها وأقدّم منها المهمّ، فرأيتها جميعها وعليها توقيع الخليفة بالإجابة إلى جميع ما فيها، فعلمت أنّ الخليفة قد جاء إلى الخزانة عند قيامي فرأى المنديل وفيه الرّقاع ففتحها ووقّع على جميعها والمستعصم هو آخر خلفاء الدولة العباسية ببغداد. ولم يجر في أيام المستعصم شيء يؤثر سوى نهب الكرخ، وبئس الأثر ذلك!.

وفي آخر أيّامه قويت، الأراجيف [١] بوصول عسكر المغول صحبة السّلطان هولاكو فلم يحرّك ذلك منه عزما، ولا نبه منه همّة، ولا أحدث عنده همّا، وكان كلّما سمع عن السّلطان من الاحتياط والاستعداد شيء ظهر من الخليفة نقيضه من التّفرط والإهمال، ولم يكن يتصور حقيقة الحال في ذلك، ولا يعرف هذه الدّولة- يسّر الله إحسانها وأعلى شأنها- حقّ المعرفة. وكان وزيره مؤيّد الدين بن العلقميّ يعرف حقيقة الحال في ذلك، ويكاتبه بالتّحذير والتّنبيه، ويشير عليه بالتّيقظ والاحتياط والاستعداد وهو لا يزداد إلا غفولا. وكان خواصّه يوهمونه أنّه ليس في هذا كبير خطر ولا هناك محذور، وأنّ الوزير إنما يعظّم هذا لينفق سوقه ولتبرز إليه الأموال ليجنّد بها العساكر فيقتطع منها لنفسه.

وما زالت غفلة الخليفة تنمي [٢] ويقظة الجانب الآخر تتضاعف، حتّى وصل العسكر السلطاني إلى همذان وأقام بها مديدة، ثمّ تواترت الرّسل السّلطانيّة إلى الدّيوان المستعصميّ، فوقع التعيين من ديوان الخليفة على ولد أستاذ الدّار، وهو شرف الدين عبد الله بن الجوزيّ، فبعث رسولا إلى خدمة الدّركاه [٣] السلطانيّة بهمذان، فلمّا وصل وسمع جوابه علم أنه جواب مغالطة ومدافعة، فحينئذ


[١] الأراجيف: الشائعات من الأخبار.
[٢] نمى ينمي: مثلهما: نما ينمو بمعنى زاد يزيد أو كثر يكثر.
[٣] الدّركاه: القصر أو السّدّة. والكلمة فارسيّة.

<<  <   >  >>