فاقتتلوا قتالا شديدا، كانت الغلبة فيه لطاهر، وقتل عليّ بن عيسى وجيء برأسه إلى طاهر فكتب طاهر إلى المأمون كتابا نسخته:
«أمّا بعد فهذا كتابي إلى أمير المؤمنين- أطال الله بقاءه- ورأس عليّ ابن عيسى بين يدي، وخاتمه في يدي، وجنده تحت أمري، والسّلام» .
وأرسل الكتاب على البريد، فوصل إلى المأمون في ثلاثة أيام، وبينهما مسيرة مائتين وخمسين فرسخا [١] ، ثم إنّ نعي عليّ بن عيسى ورد إلى الأمين وهو يصطاد السّمك، فقال للذي أخبره بذلك: دعني، فإن كوثرا قد اصطاد سمكتين، وأنا إلى الآن ما اصطدت شيئا- وكان كوثر خادما له وكان يحبّه- ولقد كانت أمّه زبيدة أسدّ رأيا منه فإنّ عليّ بن عيسى لما أرسله الأمين إلى خراسان بالجيش حضر إلى باب زبيدة ليودّعها فقالت له: يا عليّ، إنّ أمير المؤمنين- وإن كان ولدي وإليه انتهت شفقتي- فإنّي على عبد الله- تعني المأمون- منعطفة مشفقة لما يحدث عليه من مكروه وأذى وإنّما ولدي ملك نافس أخاه في سلطانه، فاعرف لعبد الله حقّ ولادته وأخوّته، ولا تجبهه بالكلام فإنّك لست نظيرا له ولا تقتسره اقتسار العبيد، ولا توهنه بقيد أو غلّ ولا تمنع عنه جارية أو خادما، ولا تعنف عليه في السّير، ولا تساوه في المسير، ولا تركب قبله وخذ بركابه إذا ركب، وإن شتمك فاحتمل منه، ثمّ دفعت إليه قيدا من فضّة وقالت: إذا صار إليك فقيّده بهذا القيد. فقال لها سأفعل ما أمرت به، وكان الناس يجزمون بنصرة عليّ بن عيسى استعظاما له ولعسكره، واستصغارا لمن يلتقيه من جند المأمون فقدّر الله خلاف ما جزموا به، وكان من الأمر ما كان.
وكانت تلك الأيام أيّام فتن وحروب، فممّا جرى من ذلك: أن الحسين بن عليّ بن عيسى بن ماهان وكان أحد الأمراء شغب على الأمين، وخلعه وحبسه وبايع للمأمون وتبعه ناس من العسكر فاجتمع ناس آخرون وقالوا: إن كان الحسين ابن علي بن عيسى يريد أن يأخذ وجها عند المأمون بما فعل، فلنأخذنّ نحن وجها
[١] الفرسخ: مقياس فارسي للمسافة تقديره ثمانية آلاف متر.