للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكان من أشرف أهل الكوفة، فاستدعاه عبيد الله بن زياد، فطلبه منه فأبى، فضرب وجهه بالقضيب فهشّمه، ثمّ أحضر مسلم بن عقيل- رضي الله عنهما- فضربت عنقه فوق القصر فهوى رأسه، وأتبع جثته رأسه. وأمّا هانئ: فأخرج إلى السوق فضربت عنقه. وفي ذلك يقول الفرزدق [١] :

وإن كنت لا تدرين ما الموت فانظري ... إلى هانئ في السّوق وابن عقيل

إلى بطل قد هشّم السّيف وجهه ... وآخر يهوي من طمار [٢] قتيل

ثمّ إنّ الحسين- عليه السّلام- خرج من مكّة متوجّها إلى الكوفة، وهو لا يعلم بحال مسلم فلمّا قرب من الكوفة علم بالحال، ولقيه ناس فأخبروه الخبر وحذّروه فلم يرجع، وصمّم على الوصول إلى الكوفة لأمر هو أعلم به من النّاس.

فأرسل ابن زياد إليه عسكرا أميره عمر بن سعد بن أبي وقّاص، فقاتل الحسين- عليه السّلام- وأصحابه حين التقى الجمعان، قتالا لم يشاهد أحد مثله، حتى فني أصحابه، وبقي هو عليه السّلام وخاصّته، فقاتلوا أشدّ قتال رآه الناس. ثم قتل الحسين- عليه السّلام- قتلة شنيعة. ولقد ظهر منه- عليه السّلام- من الصّبر والاحتساب والشّجاعة والورع والخبرة التامّة بآداب الحرب والبلاغة، ومن أهله وأصحابه- رضي الله عنهم- من النّصر له، والمواساة بالنّفس، وكراهية الحياة بعده، والمقاتلة بين يديه عن بصيرة- ما لم يشاهد مثله. ووقع النهب والسّبي في عسكره وذراريه- عليه السّلام- ثم حمل النّساء ورأسه- صلوات الله عليه- إلى يزيد بن معاوية بدمشق، فجعل ينكت ثنايا [٣] الحسين- عليه السّلام- بالقضيب، ثم ردّ نساءه إلى المدينة.

وكان قتل الحسين- عليه السّلام- في يوم عاشوراء [٤] ، من سنة إحدى وستين.


[١] ونسب البيتان إلى شاعر آخر هو عبد الله بن الزّبير الأسدي. انظر الأعلام ج ٨ ص/ ٦٨/.
[٢] طمار قتيل: علوّ قامة القتيل.
[٣] الثنايا: مقدّمة الأسنان في الفم.
[٤] عاشوراء: العاشر من المحرّم، وهو الشهر الأوّل من شهور السنة القمريّة.

<<  <   >  >>