«اللَّهمّ فقّهه في الدين وعلّمه التأويل» ثمّ دفعه إلى أبيه وقال له: خذ إليك أبا الأملاك. فمن زعم هذا الزعم قال: إن الدولة العباسيّة هي الدولة المبشّر بها، وكانت دولة بني أميّة مكروهة عند الناس ملعونة مذمومة، ثقيلة الوطأة مستهترة بالمعاصي والقبائح فكان الناس من أهل الأمصار ينتظرون هذه الدولة صباح مساء، وكان محمّد بن عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- وهو المعروف بابن الحنفيّة، قد اعتقد فيه أنّه صاحب الدّولة بعد قتل أخيه الحسين- عليه السّلام- ما عدا الإماميّة، فإنّ اعتقادهم إمامة عليّ بن الحسين زين العابدين- عليه السّلام- وإمامة بنيه واحدا بعد واحد إلى القائم محمّد بن الحسن (عليه السّلام) .
فلما مات محمّد بن الحنفية [١]- عليه السّلام- أوصى إلى ابنه أبي هاشم عبد الله. وكان أبو هاشم من رجال أهل البيت- عليهم السّلام- فاتّفق أنّه قصد دمشق وافدا على هشام بن عبد الملك، فبرّه هشام ووصله، ثمّ رأى من فصاحته ورياسته وعلمه ما حسده عليه وخاف منه، فبعث إليه وقد رجع إلى المدينة من سمّه في لبن. فلمّا علم بذلك عدل إلى محمّد بن عليّ بن عبد الله بن العبّاس، وكان نازلا بالحميمة من أرض الشأم، فأعلمه أنّه ميّت وأوصى إليه، وكان صحبته جماعة من الشّيعة فسلّمهم إليه وأوصاه فيهم ثمّ مات- رضي الله عنه- فتهوّس محمّد بن عبد الله بالخلافة منذ يومئذ، وشرع في بثّ الدّعوة سرّا، وما زال الأمر على ذلك حتّى مات وخلّف أولاده. وهم جماعة: منهم إبراهيم الإمام، والسفّاح والمنصور، فقام إبراهيم الإمام بالأمر بعد أبيه، واستكثر من إرسال الدّعاة إلى الأطراف، خصوصا إلى خراسان فإنّهم كانوا أشدّ وثوقا بأهل خراسان من غيرهم من أهل الأمصار.
[١] محمّد بن الحنفيّة: ابن علي بن أبي طالب وأخو الحسن والحسين ولكن أمّه غير فاطمة الزهراء، بل هي خولة بنت جعفر الحنفيّة وإليها ينسب. كان أسود اللون، تقيّا ورعا. دعا المختار الثقفيّ إلى إمامته. حبسه عبد الله بن الزبير ليكرهه على بيعته. توفي بالطائف/ ٨١/ هـ.