أمّا أهل الحجاز. فقليلون. وأما أهل الكوفة والبصرة، فكان أهل البيت مذعورين لما جرى منهم على أمير المؤمنين- عليه السّلام- والحسن والحسين- عليهما السّلام- من الخذلان والغدر، وسفك الدّم. وأمّا أهل الشام ومصر- فهواهم في بني أميّة، وحبّ بني أميّة رسخ في قلوبهم. فلم يبق لهم من يسكنون إليه من أهل الأمصار إلا أهل خراسان.
وكان يقال- إنّ الرايات السّود الناصرة لأهل البيت تخرج من خراسان.
فأرسل إبراهيم الإمام جماعة من الدّعاة إلى خراسان، وكاتب مشايخها ودهاقينها فأجابوه ودعوا إليه سرّا. وأرسل في آخر الأمر أبا مسلم، فمضى إلى هناك وجمع الجموع. كلّ ذلك والأمر سرّ، والدّعوة مخفية لم تظهر بعد.
فلمّا كانت أيام مروان الحمار بن محمّد بن مروان- آخر خلفاء بني أميّة- كثر الهرج والمرج، ونما الشّرّ وثارت الفتن، واضطرب حبل بني أميّة، واختلفت كلمتهم وقتل بعضهم بعضا- أظهر أبو مسلم دعوة بني العباس، واجتمع إليه كلّ من له في ذلك رأي من أهل خراسان، وجرّ عسكرا كثيفا ليقاتل به أمير خراسان وهو نصر بن سيّار [١] . فلمّا بلغ نصرا حال أبي مسلم وجموعه، راعه ذلك فكتب إلى مروان الحمار:
أرى بين الرّماد وميض نار ... ويوشك أن يكون لها ضرام
فإن لم يطفها عقلاء قوم ... يكون وقودها جثث وهام
فإنّ النار بالعودين تذكى ... وإنّ الحرب أوّلها كلام
فقلت من التعجّب ليت شعري ... أأيقاظ أميّة أم نيام؟
فكتب إليه مروان: إنّ الحاضر يرى ما لا يرى الغائب، فاحسم أنت هذا الداء الّذي قد ظهر عندك. فقال نصر بن سيّار لأصحابه: أما صاحبكم فقد أعلمكم أنه لا نصر عنده. وتواترت الأخبار إلى مروان بهذا الأمر، وحبله كلما جاء خبر
[١] نصر بن سيّار: أمير داهية شجاع ولّي على خراسان عام/ ١٢٠/ هـ من قبل هشام بن عبد الملك فغزا وفتح وأقام بمرو، وحين قويت الدعوة العبّاسيّة حذّر مروان بن محمّد وأخذ يتنقّل في طلب النجدة ضدّ أبي مسلم قائد الدعوة العباسية. مات بساوة/ ١٣١/ هـ.