للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يضطرب، وأمره في كلّ يوم يضعف. ثم بلغه أن الّذي تدعو الدعاة إليه هو إبراهيم بن محمّد بن عليّ بن عبد الله بن عبّاس أخو السفّاح والمنصور، فأرسل إليه وقبض عليه، وأحضره إلى حرّان فحبسه فيها، ثمّ سمّه في الحبس فمات.

ثمّ جرت بين أبي مسلم وبين نصر بن سيّار وغيره من أمراء خراسان حروب ووقائع، كانت الغلبة فيها للمسوّدة وهم عسكر أبي مسلم، وإنّما سمّوا- المسودة لأنّ الزّي الّذي اختاروه لبني العبّاس هو لون السّواد. فانظر إلى قدرة الله تعالى وأنه إذا أراد أمرا هيّأ أسبابه، وإذا أراد أمرا فلا مردّ لأمره.

لما قدّر الله انتقال الملك إلى بني العبّاس هيّأ جميع الأسباب- فكان إبراهيم الإمام ابن محمّد بن عليّ بن عبد الله بن العبّاس بالحجاز أو بالشام جالسا على مصلاه مشغولا بنفسه وعبادته ومصالح عياله، ليس عنده من الدّنيا طائل، وأهل خراسان يقاتلون عنه ويبذلون نفوسهم وأموالهم دونه، وأكثرهم لا يعرفه ولا يفرّق بين اسمه وشخصه. وانظر إلى إبراهيم الإمام، هو بتلك الحالة من الانقطاع بداره واعتزال الدّنيا وهو بالحجاز أو بالشام، وله مثل هذا العسكر العظيم في خراسان يبذلون نفوسهم دونه، لا ينفق عليهم مالا، ولا يعطي أحدهم دابّة ولا سلاحا. بل هم يجبون إليه الأموال ويحملون إليه الخراج في كلّ سنة.

ولما قدّر الله تعالى خذلان مروان، وانقراض ملك بني أميّة، وكان مروان خليفة مبايعا، ومعه الجنود والأموال والسّلاح، والدّنيا بأجمعها عنده، والنّاس يتفرّقون عنه وأمره يضعف، وحبله يضطرب، فما زال يضمحلّ حتّى هزم وقتل، فتعالى الله!!.

ولمّا غلب أبو مسلم على خراسان واستولى على كورها [١] وقويت شوكته سار إلى العراق بالجنود. وكان لمّا قبض مروان على إبراهيم الإمام وحبسه بحرّان [٢] وكان لهم بها شيعة- منهم أبو سلمة حفص بن سليمان الخلال. وكان من كبار


[١] كورها: قراها المسكونة، جمع كورة: وهي البقعة المأهولة أو القرية.
[٢] حرّان: مدينة قديمة تقع ما بين النهرين في تركيا اليوم، نقل إليها مروان بن محمّد الأموي مقرّ إدارته في أواخر أيّام الدولة الأمويّة.

<<  <   >  >>