للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الخليفة ذلك قبل الملك الأرض بين يديه، ومشى في ركابه راجلا، والغاشية [١] تحت إبطه، كما فعل مسعود السّلطان مع المسترشد فإنّ المسترشد وقعت بينه وبين مسعود منابذة أدّت إلى محاربة، فخرج المسترشد بعسكر كثيف وصحبته جميع أرباب الدّولة، فالتقى هو والسلطان مسعود [٢] بظاهر مراغة فاقتتلوا ساعة، ثمّ انكشف الغبار وقد انهزم أصحاب المسترشد، واستولى عسكر مسعود، فانجلى الغبار والخليفة ثابت على ظهر فرسه، وفي يده المصحف وحواليه القرّاء والقضاة والوزراء لم ينهزم أحد منهم، وإنّما انهزم المقاتلون. فلما نظر السّلطان مسعود إليهم، أرسل من قاد دابّة الخليفة وأدخله إلى خيمة قد نصبت له وأخذ أرباب دولته فحبسهم في قلعة قريبة من تلك النواحي، ثم غنموا جميع ما كان في عسكر الخليفة. وبعد أيّام اجتمع السلطان بالخليفة وعاتبه على فعله، ثم تقرّر بينهم أمر الصلح فاصطلحا، وركب الخليفة إلى مخيم عظيم ضربه لأجله السّلطان. فلما ركب الخليفة أخذ السّلطان مسعود الغاشية ومشى في ركابه، ثم جرى من قتل المسترشد ما نذكره بعد هذا.

فهذه الدول جميعها طرأت على دولة بني العبّاس، ولم تقو نفس أحد على إزالة ملكهم ومحو آثارهم. وكانت لهم في نفوس الناس منزلة لا تدانيها منزلة أحد آخر من العالم، حتى إنّ السلطان «هولاكو» لما فتح بغداد، وأراد قتل الخليفة أبي أحمد عبد الله المستعصم- ألقوا إلى سمعه أنه متى قتل الخليفة اختلّ نظام العالم واحتجبت الشّمس وامتنع القطر والنبات. فاستشعر لذلك، ثمّ سأل بعض العلماء في حقيقة الحال عن ذلك فذكر ذلك العالم له الحقّ في هذا، وقال: إنّ عليّ ابن أبي طالب كان خيرا من هذا الخليفة بإجماع العالم، ثم قتل ولم تجر هذه المحذورات، وكذلك الحسين. وكذلك أجداد هذا الخليفة، قتلوا وجرى عليهم كلّ مكروه، وما احتجبت الشمس ولا امتنع القطر فحين سمع زال ما كان قد حصل في


[١] الغاشية: الزوّار والحاشية.
[٢] مسعود: هو مسعود بن محمد السلجوقي خلع الخليفة العباسي المسترشد/ ٥٢٩/ هـ وعبث بالحكم في بغداد حتى تولى المقتفي/ ٥٣٠/ هـ.

<<  <   >  >>