للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خراسان. فقال له الرسول: يا أبا مسلم: أنت ما زلت أمين آل محمّد، فأنشدك الله ألا تسم نفسك بسمة العصيان والشّقاق. والرأي أن تحضر عند أمير المؤمنين وتعتذر إليه فلن ترى عنده إلا ما تحبّ. فقال له أبو مسلم: متى كنت تخاطبني بمثل هذا الخطاب؟ فقال الرجل: سبحان الله! أنت دعوتنا إلى ولاية هؤلاء القوم ونصرهم، وقلت لنا من خالفهم فاقتلوه. فلمّا دخلنا معك فيما ندبتنا إليه [١] ، رجعت عنه وأنكرته علينا! فقال أبو مسلم: هو ما قلت لك، ولست أرجع. فقال له:

فليس عندك غير هذا؟ قال: نعم. فخلا به وأبلغه ما قال المنصور، فوجم وأطرق ساعة ثمّ قال: أرجع وأعتذر إليه. ورجع. ثم سلّم عسكره إلى بعض أصحابه وقال له: إن جاءك كتابي، وهو مختوم بنصف خاتمي فهو كتابي: وإن كان مختوما بكلّ الخاتم فاعلم أنه ليس ختمي. وأوصاه بما أراد. ثمّ سار إلى المنصور فلقيه بالمدائن. فلما علم المنصور بوصوله أمر الناس جميعا بتلقّيه، فلما دخل عليه قبّل يده فأدناه منه وأكرمه، ثمّ أمره بأن يعود إلى خيمته ويستريح، ويدخل الحمّام ويعود من الغد. فمضى فلمّا أصبح أتاه رسول المنصور يستدعيه، وقد أعدّ المنصور جماعة من أصحابه خلف السّتور بأيديهم السّلاح فأوصاهم أنّه إذا ضرب بإحدى يديه على الأخرى يخرجون فيقتلون أبا مسلم. فلمّا دخل أبو مسلم عليه قال له: أخبرني عن سيفين وجدتهما في عسكر عبد الله بن عليّ فقال أبو مسلم: هذا أحدهما- وكان في يده سيف- فأخذه المنصور ووضعه تحت مصلاه، ثمّ شرع في توبيخه وتقريعه على ذنب ذنب، وأبو مسلم يعتذر عن كلّ واحد بعذر. فعدّد عليه عدّة ذنوب، فقال أبو مسلم: يا أمير المؤمنين مثلي لا يقال له هذا ولا تعدّد عليه مثل هذه الذنوب بعد ما فعلت فاغتاظ المنصور وقال أنت فعلت! والله لو كانت مكانك أمة سوداء [٢] لفعلت ما فعلت، وهل نلت ما نلت إلا بنا وبدولتنا؟ فقال أبو مسلم: دع هذا فقد أصبحت لا أخشى غير الله، فضرب المنصور بيده على


[١] ندبتنا إليه: دعوتنا إليه.
[٢] أمة سوداء: جارية سوداء. كناية عن احتقاره لشأنه.

<<  <   >  >>