للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فأرسل المهديّ إليه جيشا فاعتصم منهم بقلعة هناك، وطاولوه فضجر وضجر أصحابه. فطلب أكثرهم الأمان وبقي معه نفر يسير وهو في القلعة محاصر فأضرم نارا عظيمة وأحرق جميع ما بالقلعة من دابّة وثوب ومتاع، ثمّ جميع نسائه [١] وأولاده وقال لأصحابه: من أحبّ منكم الارتفاع معي إلى السماء فليلق نفسه في هذه النار، ثم ألقى فيها نفسه وأولاده ونساءه، خوفا أن يظفر بجثته أو بحرمة. فلما احترقوا فتحت أبواب القلعة، فدخلها عسكر المهديّ فوجدوها خالية خاوية.

ولمّا ولي المهديّ الخلافة جدّد الكلام في خلع عيسى بن موسى والبيعة لولديه: موسى الهادي، وهارون الرّشيد. وقد تقدّم شرح كيفيّة خلعه في أيّام المنصور، وأنه قدّم المهديّ عليه. فلمّا ولي المهديّ أراد لبنيه ما أراد المنصور له فطلب من عيسى بن موسى أن يخلع نفسه فأبى، فأرهبه وأرغبه حتّى أجاب، وأشهد عليه بالخلع، وبايع لولديه الهادي والرّشيد.

وكان المهديّ ينظر في الدّقائق من الأمور، وكذلك كان أبوه فتقدّم المهديّ حين ولي بردّ نسب آل زياد [٢] بن أبيه إلى عبيد الثّقفي، وإسقاطهم، من ديوان قريش. وبردّ نسب آل أبي بكرة إلى ولاء رسول الله- صلوات الله عليه وسلامه- وكتب الكتب بذلك، فاعتمد ما رسم به، ثم بعد ذلك ارتشى العمّال من بني زياد وأعادوهم إلى ديوان قريش. وغزا المهديّ الروم عدّة دفعات وكانت له الغلبة.

ومات المهدي بماسبذان، واختلف في سبب موته.

فقيل: إنّه طرد ظبيا في بعض متصيّداته فدخل الظبي إلى باب خربة، فدخل فرس المهديّ خلفه فدقّه باب الخربة، فقطع ظهره فمات من ساعته. وقيل:

إنّ بعض جواريه جعلت سمّا في بعض المآكل لجارية أخرى، فأكل المهديّ منه


[١] ثم جميع نسائه: الصواب: [ثم جمع نساءه] انظر طبعة بيروت ص ١٨٠.
[٢] زياد بن أبيه: كان من أنصار عليّ بن أبي طالب ثم تحوّل إلى نصرة معاوية فولاه الكوفة والبصرة. وقد ألحقه معاوية بنسبه فادعاه لأبيه أبي سفيان ترغيبا له، وظلّ مغمور النسب.
توفي عام/ ٥٣/ هـ.

<<  <   >  >>