للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أنواعا من السّعايات وأخذ يرميه بالزّندقة [١] . وكان المهديّ شديدا على أهل الإلحاد والزّندقة، لا يزال يتطلع عليهم ويفتك بهم. فلمّا رسخ في ذهن المهديّ زندقة ابن الوزير استدعى به، فسأله عن شيء من القرآن العزيز فلم يعرف فقال لأبيه وكان حاضرا: ألم تخبرني أنّ ابنك يحفظ القرآن؟ قال بلى يا أمير المؤمنين ولكن فارقني مذ مدّة فنسيه. فقال له: قم فتقرّب إلى الله بدمه. فقام أبو عبيد الله فعثر ووقع وارتعد، فقال له العبّاس بن محمّد عمّ المهديّ: يا أمير المؤمنين، إن رأيت أن تعفي الشيخ من قتل ولده، ويتولّى ذلك غيره. فأمر المهديّ بعض من كان حاضرا بقتله فضربت عنقه. واستمرّ أبوه على حاله من الخدمة إلا أنه ظهر عليه الانكسار وتنمّر قلبه [٢] ، وتنمّر قلب المهديّ منه. فدخل بعض الأيّام على المهديّ ليعرض عليه كتبا قد وردت من بعض الأطراف، فتقدّم المهديّ بإخلاء المجلس فخرج كلّ من به إلا الرّبيع، فلم يعرض أبو عبيد الله شيئا من الكتب، وطلب أن يخرج الربيع فقال له المهديّ: يا ربيع اخرج. فتنحى الربيع قليلا، فقال المهديّ: ألم آمرك بالخروج؟ قال: يا أمير المؤمنين، كيف أخرج وأنت وحدك وليس معك سلاح؟ وعندك رجل من أهل الشّأم اسمه معاوية، وقد قتلت بالأمس ولده، وأوغرت صدره- على هذه الحال وأخرج؟! فثبت هذا المعنى في نفس المهديّ إلا أنه قال: يا ربيع، إنّي فكيف أدعك معه أثق بأبي عبيد الله في كلّ حال. وقال لأبي عبيد الله الوزير: اعرض ما تريد فليس دون الرّبيع سرّ. ثم قال بعد ذلك المهديّ للربيع: إني أستحي من أبي عبيد الله بسبب قتل ولده فأحجبه عنّي.

فحجب عنه، وانقطع بداره، واضمحلّ أمره، وتهيّأ للربيع ما أراده من إزالة نعمته ومات أبو عبيد الله معاوية بن يسار في سنة سبعين ومائة.


[١] الزندقة: الخروج على الدين.
[٢] تنمّر قلبه: شحن بالحذر والكراهية.

<<  <   >  >>