المؤمنين، أعفني من التسمّي بالوزارة، وطالبني بالواجب فيها، واجعل بيني وبين العامّة منزلة يرجوني لها صديقي، ويخافني لها عدوّي، فما بعد الغايات إلا الآفات فاستحسن المأمون جوابه وقال لا بدّ من ذلك، واستوزره.
كان المأمون لما ولّى طاهر بن الحسين خراسان، استشار فيه أحمد بن أبي خالد فصوّب أحمد الرأي في تولية طاهر، فقال المأمون لأحمد: إنّي أخاف أن يغدر ويخلع ويفارق الطاعة، فقال أحمد: الدّرك في ذلك عليّ، فولّاه المأمون، فلمّا كان بعد مدة أنكر المأمون عليه أمورا، وكتب إليه يتهدّده فيه، فكتب طاهر جوابا أغلظ فيه للمأمون ثمّ قطع اسمه من الخطبة ثلاث جمع، فبلغ ذلك المأمون، فقال لأحمد بن أبي خالد، أنت الّذي أشار بتولية طاهر وضمنت ما يصدر منه، وقد ترى ما صدر منه من قطع الخطبة ومفارقة الطاعة، فو الله لئن لم تتلطف لهذا الأمر وتصلحه كما أفسدته، ضربت عنقك! فقال أحمد: يا أمير المؤمنين طب نفسا فبعد أيّام يأتيك البريد بهلاكه، ثمّ إنّ أحمد بن خالد أهدى لطاهر هدايا فيها كوامخ مسمومة، وكان طاهر يحبّ الكامخ [١] ، فأكل منها فمات من ساعته، وقيل: إن أحمد بن أبي خالد لما تولّى طاهر خراسان حسب هذا الحساب، فوهبه خادما وناوله سمّا، وقال له: متى قطع خطبة المأمون فاجعل له هذا السمّ في بعض ما يحبّ من المآكل، فلما قطع طاهر خطبة المأمون جعل الخادم له السمّ في كامخ، فأكل منه فمات في ساعته، ووصل الخبر على البريد بموته إلى المأمون بعد أيام فكان ذلك مما عظم به أمر أحمد بن أبي خالد.
ومات أحمد حتف أنفه سنة عشر ومائتين.
[١] الكامخ: هو المخلّل المشهّي للطعام، أو هو دقيق وملح ولبن ينشّف في الشمس كإدام يؤتدم به وتسمية العامّة: شنكليش.