للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جماعة فركب المعتصم يوما فلقيه رجل شيخ، فقال للمعتصم: يا أبا إسحاق: فأراد الجند ضربه فمنعهم المعتصم، وقال له ما لك يا شيخ؟ فقال: لا جزاك الله خيرا عن الجوار! جاورتنا مدّة فرأيناك شرّ جار، جئتنا بهؤلاء العلوج [١] من غلمانك الأتراك فأسكنتهم بيننا فأيتمت بهم صبياننا، وأرملت نساءنا، والله لنقاتلنّك بسهام السّحر- يعني الدّعاء- والمعتصم يسمع ذلك، فدخل منزله ولم ير راكبا إلا في يوم مثل ذلك اليوم، فركب وصلّى بالناس العيد، وسار إلى موضع سامرّا فبناها، وكان ذلك في سنة إحدى وعشرين ومائتين.

ولمّا مرض المعتصم مرضته التي مات فيها نزل في سفينة ومعه زنام الزّامر [٢] وكان أوحد وقته فجعل يجتاز على قصوره وبساتينه بشاطئ دجلة ويقول لزنام: ازمر:

يا منزلا لم تبل أطلاله ... حاشا لأطلالك أن تبلى

لم أبك أطلالك لكنّني ... بكيت عيشي فيك إذ ولّى

والعيش أحلى ما بكاه الفتى ... لا بدّ للمحزون أن يسلى

(سريع) ولما احتضر جعل يقول: ذهبت الحيل: ليست حيلة! ثمّ مات. وذلك في سنة سبع وعشرين ومائتين.


[١] العلوج: الأغراب، مطعونو النسب.
[٢] زنام الزامر: أوّل من اشتهر باستعمال الناي، كان مطرب الرشيد والمعتصم والواثق، توفي حوالي عام/ ٢٣٥/ هـ.

<<  <   >  >>