للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالكوفة فقتله، وكان ابن ملجم من الخوارج، هذا في الصدر الأول والناس ناس والدين دين، ثم تنقّل دولة فدولة، وأياما، فأياما، إلى أواسط دولة بني العبّاس، فانظر منذ عهد المتوكل إلى عهد المقتفي ما جرى على واحد واحد من الخلفاء من القتل والخلع والنهب، بسبب تغيّر نيات جنده ورعيّته. فهذا سمل [١] ، وذاك قتل، والآخر عزل. ثم اسرح طرفك في الدولتين البويهية والسلجوقية تر من هذا الباب عجبا. ثم ارجع البصر إلى أونكخان ملك الترك، كيف لما تنكّرت نيّته على جنكزخان [٢] ، وحقد عليه أشياء عرضها عليه عنده حساده، وأراد الوقيعة به وأعلمه بذلك الصبيان فرحل من ليلته، ثم حشد وجمع ووثب على أونكخان فقتله وملك ممالكه- تعلم أن الحقد من أضرّ الأشياء للملك، وأن أوفق الأشياء له الصفح والعفو والغفران والتناسبي. وما أحسن قول القائل:

اقبل من الناس ما تيسّر ... ودع من الناس ما تعسر

فإنّما النّاس من زجاج ... إن لم ترفق به تكسّر

(منسرح) وقد مدح بعض الشعراء الحقد، ولم يسمع بمن مدح الحقد غير هذا، فقال:

وما الحقد إلا توأم الشّكر في الفتى ... وبعض السجايا ينتسبن إلى بعض

فحيث ترى حقدا على ذي إساءة ... فثمّ ترى شكرا على سالف الفرض

إذا الأرض أدّت ريع ما أنت زارع ... من البذر فهي ناهيك من أرض

(طويل) هذا قول لا يعرج عليه. وإن عرّج عليه أحد فليعرّج عليه غير الملك، فإنّ الملك أحوج الخلق إلى استصلاح النيّات، واستصفاء القلوب.

ومن الخصال التي يستحبّ أن تكون في الملك، الكرم: وهو الأصل في استمالة القلوب، وتحصيل النصائح من العالم، واستخدام الأشراف. قال الشاعر:


[١] سمل: قلعت عينه.
[٢] جنكيزخان: مؤسس الإمبراطورية المغولية، من سلالته هولاكو وتيمور لنك. مات/ ٦٢٥/ هـ.

<<  <   >  >>