للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وحبسه بسامرّا، ثمّ كفله أهله فأطلق، وانحدر إلى بغداد فأقام بها مدّة على حال غير مرضية من الفقر، وكان- رضي الله عنه- دينا خيّرا أعمالا حسن السّيرة، فرجع إلى سامرّا مرّة ثانية، وكلّم بعض أمراء المتوكّل في حاله، فأغلظ له وقال، لأيّ حال يعطى مثلك؟ فرجع إلى بغداد وانحدر منها إلى الكوفة، ودعا الناس إلى الرضا من آل محمد، فتبعه ناس من أهل الكوفة من ذوي البصائر في التشيّع، وناس من الأعراب ووثب في الكوفة وأخذ ما في بيت المال ففرّقه على أصحابه، وأخرج من في السّجون، وطرد عن الكوفة عاملها وكثرت جموعه فأرسل إليه أمير بغداد- وهو محمّد بن عبد الله بن طاهر- عسكرا فالتقوا بشاهي وهي قرية قريبة من الكوفة- وكانت الغلبة لعسكر ابن طاهر، وانكشف الغبار ويحيى بن عمر قتيل فحمل رأسه إلى محمّد بن عبد الله بن طاهر ببغداد، فجلس محمّد بن عبد الله بن طاهر للهناء بذلك، فدخل عليه الناس أفواجا يهنئونه، وفي جملتهم رجل من ولد جعفر بن أبي طالب- عليهم السلام- فقال له أيّها الأمير: إنّك لتهنّأ بقتل رجل لو كان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم حيّا لعزّي به، فأطرق محمّد بن عبد الله ساعة، ثم نهض وصرف الناس، ورثاه الشّعراء، فممّن رثاه ابن الروميّ [١] بجيميّته التي أوّلها:

أمامك فانظر أيّ نهجيك تنهج ... طريقان شتّى: مستقيم وأعوج

ومنها:

سلام وريحان وروح ورحمة ... عليك وممدود من الظلّ سجسج [٢]

ولا برح القاع الّذي أنت جاره ... يرفّ عليه الأقحوان المفلّج [٣]


[١] ابن الروميّ: أبو الحسن، عليّ بن العبّاس بن جريج، ولد ونشأ وتخرّج ببغداد، أبدع في شعره وأفحش في هجائه كان قليل النّقلة والسفر، كثير التشاؤم، دسّ له السمّ القاسم بن عبيد الله وزير المعتضد فتوفي عام/ ٢٨٣/ هـ.
[٢] سجسج: مبسوط، رحب.
[٣] المفلّج: المتباعد في تويجاته كالأسنان المتباعدة، وصف به الأقحوان وهو زهر بريّ أبيض مفلّج التّويجات.

<<  <   >  >>