غمزوه وقالوا: هو دعيّ وكان ابن الروميّ قد مدحه بقصيدة نونيّة طويلة أوّلها:
أجنت لك الوصل أغصان وكثبان ... فيهنّ نوعان: تفّاح ورمّان
غصون بان عليها الدّهر فاكهة ... وما الفواكه ممّا يحمل البان
(بسيط) فسمّى الناس هذه القصيدة: دار البطّيخ لكثرة ما فيها من ذكر الفواكه.
وكان الموضع الّذي تباع فيه الفواكه يسمّى: دار البطّيخ، ومن جملة هذه القصيدة:
قالوا: أبو الصّقر من شيبان قلت لهم ... كلّا لعمري ولكن منه شيبان
كم من أب قد علا بابن له شرفا ... كما علا برسول الله عدنان
فلمّا سمع أبو الصّقر قوله، «قالوا: أبو الصقر من شيبان، قلت لهم:
كلّا» ظنّ أنّ ابن الروميّ قد هجاه بها باطلا، وأنّه عرّض بأنه دعيّ، واشتبه على أبي صقر الأمر فاستكتم ظنّه وأعرض عنه، وتوصّل ابن الرومي إلى إفهامه صورة الحال، فلم يقبل في ذلك قول قائل. وقيل له: يا سبحان الله-! فانظر إلى البيت الثاني وحسن معناه، فإنّه معنى مخترع، ما مدح أحد بمثله قبلك، فلم يصغ وجزم بأنّ ابن الروميّ هجاه وأفحش في هجائه، فممّا هجاه به قوله:
عجب النّاس من أبي الصّقر إذ ... ولّي بعد الإجارة الدّيوانا
إنّ للحظ كيمياء إذا ما ... مسّ كلبا أصاره إنسانا
(خفيف) وقوله:
مهلا أبا الصّقر فكم طائر ... خرّ صريعا بعد تحليق
زوّجت نعمى لم تكن كفأها ... فصانها الله بتطليق
لا قدّست نعمى تسربلتها ... كم حجّة فيها لزنديق
(سريع)
ما بال فرخ أبوه بلبل ربح [١] ... يكنى أبا الصّقر يا أهل الدواوين
عرّوه من كنية ليست تليق به ... يدعى أبا الصّقر من كان ابن شاهين
(بسيط)
[١] الرّبح: الفرخ الصغير، أو الصغير من كلّ دابّة.