للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإن عاد لي عطف الوزير محمّد ... فقد أكثب [١] النائي ولان لي الصّعب

وزير إذا اعتلّ الزّمان فرأيه ... هناء [٢] به تطلى خلائقه الجرب

(طويل) وما زال أمر عضد الدّين يجري على السّداد حتّى عزله المستضيء وقبض عليه وصورة عزله: كان يوما جالسا في الدّست فهجم عليه خادم من خدم الخليفة فقال له: قد استغني عنك، ثمّ أطبق دواته ودخل الأتراك والجند إلى دوره فنهبوا ما بها ودخل العوامّ أيضا، وكسرت الصناديق الآبنوس [٣] والعاج بالدّبابيس [٤] وأخذ جميع ما كان بها، فخرج عضد الدين وهو يتشاهد ويقول للأتراك: أما تستحيون منّي؟ أما دخلتم داري؟ أما أكلتم زادي؟ فلم ينفعه ذلك، فلم يمض إلا ساعة واحدة حتّى صارت داره بلاقع [٥] ، ثمّ حمل إلى الحريم ووكل به هناك مدّة ثم أعاده المستضيء إلى الوزارة وحكّمه وبسطه، فصفت له الدّنيا وعظم شأنه وكثرت خيراته وهباته وأحبّه الناس، وكان سخيّا وهوبا شريف النّفس، قيل إنّه ما اشترى لداره قطّ سكّرا بأقلّ من ألف دينار.

حدّث عنه بعض مماليكه قال: احتاج مرّة إلى ألف دينار، فأنفت نفسه أن يقترضها من أولاده أو من غيرهم، وكان يأنس بي فقال: يا ولدي، قد احتجت إلى ألف دينار أعيدها عليك بعد أيّام، فقلت: السّمع والطاعة يا مولاي، ثمّ مضيت وأحضرت له خمسة آلاف دينار، وقلت: يا مولاي، هذه والله اكتسبتها منك فخذ منها ما شئت، فأطرق ساعة ثمّ قال: والله لا أخذت منها حبّة واحدة، خذها وانصرف، ثمّ أنشد:

والصّاحب المتبوع يقبح أن يرى ... متتبّعا ما في يدي أتباعه


[١] أكثب: دنا وقرب.
[٢] الهناء: القطران يطلى به الأجرب.
[٣] الآبنوس: ضرب ثمين من الخشب الصّلب الأسود.
[٤] الدّبابيس: العصيّ الطويلة المحدّدة الرءوس يقمع بها ويضرب.
[٥] بلاقع: قفار خاوية.

<<  <   >  >>