للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال المتنبي:

لا يسلم الشّرف الرفيع من الأذى ... حتّى يراق على جوانبه الدّم

(كامل) أوصى بعض الحكماء بعض الملوك قال: أيّها الملك، إنّما هو سيفك ودرهمك فازرع بهذا من شكرك، واحصد بهذا من كفرك. جاء رجل الى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وقال له يا رسول الله خذ الحدّ مني. فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم والتفت إلى يمينه، فدار الرجل حتى حاذاه وأعاد القول فأعرض- عليه السلام- عنه مرة أخرى، فعاود القول والتمس أخذ الحدّ منه فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم إزهاق نفسه، والتفت إلى أهل الرجل وأصحابه كمن يعلّمهم الاعتذار عنه، وقال: كأنه متغير في عقله- قالوا يا رسول الله ما نعرفه إلّا عاقلا. فحينئذ لم يبق للنبيّ صلى الله عليه وسلم- حيلة، فأمر باستيفاء الحدّ منه. والمطامير الغامضة التخليد فيها يقوم مقام القتل، مع الأمن من النّدم المخشيّ فيه. وأما أصناف العقوبات. فيجب على الملك الكامل أن ينعم النّظر فيها أيضا. فكم من عقوبة قد أتت على مهجة المعاقب، من غير أن يراد إزهاق نفسه. وأصعب ما فيها التعذيب بالنار وهي عقوبة غير مباركة، لأن العقوبة بالنار مختصّة باللَّه- عزّ وجل- فلا يجوز للعبد أن يشاركه فيها. والنّظر في أصناف العقوبات موكل إلى نظر الملك الفاضل، وبحسب ما يقتضيه الحال الحاضر، ولكنّ الأصل الكلّي فيه، أن يكون الملك في نفسه كارها لذلك غير متحلّ به، لا يبادر إليه ولا يقدم عليه، إلا إذا دعت إليه ضرورة ماسة لا يقضى فيها حقّ نفسه، ولا يشقى بها غيظ صدره. وهذا مقام صعب لا يرتقي إليه أحد، إلا من أخذ التوفيق بيده- قيل- إنّ عليا عليه السلام- صرع في بعض حروبه رجلا، ثم قعد على صدره ليحتزّ رأسه، فبصق ذلك الرّجل في وجهه، فقام علي- عليه السلام- وتركه. فلما سئل عن سبب قيامه وتركه قتل الرجل، بعد التمكن منه، قال: إنه لما بصق في وجهي اغتظت منه فخفت إن قتلته أن يكون للغضب والغيظ نصيب في قتله. وما كنت أن أقتله إلا خالصا لوجه الله تعالى.

<<  <   >  >>