وأخرجه البخاري في صحيحه كتاب: المحاربين باب: من أظهر الفاحشة واللَّطخ والتهمة بغير بيّنة (٨/ ٣٤٩) (رقم: ٦٨٥٤)، وفي الأحكام باب: من قضى ولاعن في المسجد (٨/ ٤٥٣) (رقم: ٧١٦٥) بلفظ: "شهدتُ المتلاعنين وأنا ابنُ خمس عشرة فُرِّق بينهما". والمعنى واحد؛ لأن المراد بالمفرّق في طريق ابن عيينة هو رسول الله ﷺ، وجاء بتمامه عند أبي داود في السنن (٢/ ٦٨٤) (رقم: ٢٢٥١). وقال أبو داود: "لم يُتابِع ابنَ عيينة أحدٌ على أنه فرّق بين المتلاعنين". وفي تاريخ ابن أبي خيثمة (٣ /ل: ٤٤/أ): "سئل يحيى بن معين عن حديث ابن عيينة، عن الزهري، عن سهل بن سعد الساعدي: أنَّه شهد المتلاعنين على عهد النبي ﷺ، وأنَّ النبي ﷺ فرَّق بينهما؟ فقال: أخطأ، ليس النبي فرَّق بينهما". (٢) التتبّع (ص: ٢٨٧). قال الحافظ ابن حجر: "لم أره عند البخاري بتمامه، وإنما ذكر بهذا الإسناد طرفًا منه، وكأنه اختصره لهذه العلّة، فبطل الاعتراض عليه". هدي الساري (ص: ٤٠٠). قلت: بطلان الاعتراض على البخاري لا من جهة عدم ورود طريق ابن عيينة في صحيحه، بل روايته موجودة عنده بالمعنى، ولكن يبطل الاعتراض من جهتين: ١ - أنَّ ابن عيينة لم ينفرد بقوله: "ففرّق بينهما"، بل تابعه الزبيدي كما في السنن الكبرى للبيهقي (٧/ ٤٠٠، ٤٠١)، وقال البيهقي بعد أن أورد كلام أبي داود السابق: "يعني بذلك في حديث الزهري عن سهل بن سعد، إلاَّ ما رويناه عن الزبيدي عن الزهري: أنَّه فرَّق بينهما النبي ﷺ". ٢ - أنه جاء من حديث ابن عمر أن النبي ﷺ هو الذي فرّق بينهما، وسيورده المصنف. ولم تقع الفرقة بطلاقه إيّاها، وإنما باللعان نفسه، فيصدق أنه فرّق بينهما النبي ﷺ. وفي حديث ابن عمر بعد أن ذكر الطلاق قال له النبي ﷺ: "لا سبيل لك عليها"، أي ليست في ملكك، فلا يصح طلاقك لها. وللعلماء في ذلك تفصيل واختلاف. انظر: التمهيد (٦/ ١٩٤)، الفتح (٩/ ٢٧٥، ٣٦٠).